: آخر تحديث

وهم الديموقراطية

3
2
2

في ظاهر المشهد تبدو إسرائيل كديموقراطية راسخة، صندوق انتخابي مفتوح، صحافة متوفرة، وأصوات معارضة حاضرة، لكن ما إن تدق طبول الحرب حتى ينكشف الوهم، تتحول الدولة إلى كتلة واحدة تدار بالخوف، ويستخدم الأمن ذريعة لتمديد عمر الحكومات وإسكات كل صوت مغاير.

رحيل بنيامين نتنياهو، إن حدث، لن يبدل جوهر اللعبة، فقد سبقه رابين وباراك وشارون وأولمرت، جميعهم وجدوا أن سقف السياسة الإسرائيلية مرسوم مسبقًا: أمن قبل كل شيء، وردع قبل أي تسوية، لذلك فالمسألة ليست شخصًا، بل نسقًا كاملًا يجعل أي زعيم أسيرًا لمعادلة الحرب أولًا.

الحرب على غزة أبرزت هذا النسق بوضوح، الإعلام العربي يتحدث عن تظاهرات وانقسامات، بينما استطلاعات الرأي الإسرائيلية تكشف تماسكًا خلف الحكومة، رغم الخسائر غير المسبوقة، «صدمة 7 أكتوبر» أزالت ما تبقى من ثقل لليسار الإسرائيلي، ورسخت اليمين بوصفه ممثلًا للأغلبية، حتى وإن ارتفعت أصوات معارضة هنا وهناك.

الديموقراطية الشكلية في إسرائيل تعيش ازدواجية عميقة، انتخابات حرة من جهة، وسلطة أمنية مطلقة من جهة أخرى، الخوف من الفناء يستخدم كأداة سياسية لتعبئة الجمهور، وتحويل الاعتراض إلى ترف أخلاقي لا وزن له، هنا يكمن الوهم: صندوق الاقتراع يعمل، لكن قرارات الحرب والسلام تصاغ في غرف الأمن، لا في ساحات النقاش العام.

وليس مصادفة أن نتنياهو يوسع المعركة إلى جبهات متعددة، من غزة إلى لبنان واليمن وإيران، محولًا الأزمة إلى اختبار وجودي، المؤسسة العسكرية بدورها ليست مجرد ذراع، بل اللاعب الذي يرسم حدود الممكن ويمنح الغطاء لأي مغامرة، في هذا الاندماج بين القائد والجيش تتجلى الحقيقة، الديموقراطية مجرد غلاف لمجتمع يعيش تحت عقد أمني.

وتشير استطلاعات الرأي الأخيرة في إسرائيل إلى أن ما يقارب 55 % من الإسرائيليين ما زالوا يؤيدون مواصلة العمليات في غزة رغم الخسائر، فيما لا تتجاوز نسبة المتظاهرين ضد الحكومة 15 % من الرأي العام، وهو ما يكشف عمق الفجوة بين صورة تصدر في الإعلام العربي وبين واقع سياسي واجتماعي أكثر تماسكًا خلف اليمين.

أما صورة إسرائيل عالميًا فقد تآكلت، لم تعد تلك «الديموقراطية الصغيرة المحاصرة»، بل قوة عسكرية مهاجمة، تواجه اتهامات بالقتل الجماعي والتجويع، محاولات تلميع السياسة عبر التحالفات مع الغرب تصطدم يوميًا بصور غزة المدمرة، وبالفجوة المتزايدة بين خطاب الحقوق ودعم الحرب.

إسرائيل، إذن، ليست مجرد أزمة نتنياهو، بل منظومة كاملة تعيد إنتاج نفسها عبر الأمن والجيش والإعلام، والحديث عن «ديموقراطية إسرائيلية» هو حديث عن واجهة تخفي وراءها نظامًا لا يتردد في سحق المعارضة وتبرير الحروب باسم البقاء، هذا هو وهم الديموقراطية.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد