إيلاف من لندن: مع تصاعد العزلة الغربية المفروضة على روسيا بفعل العقوبات، تتجه أنظار السياح الخليجيين نحو موسكو وسانت بطرسبورغ كوجهتين رئيسيتين جديدتين، في تحول لافت تشهده خارطة السفر العالمية عام 2025.
فبين معالم تاريخية أخاذة وتجارب سياحية غير تقليدية، يتكشّف مزيج جديد من الاهتمام العربي بشمال أوراسيا.
تسهيلات التأشيرة ورحلات مباشرة: البوابة مفتوحة
شهد عدد الزوار الخليجيين إلى روسيا ارتفاعًا حادًا، تجاوز أربعة أضعاف بين عامي 2019 و2024، وفق ما أوردته صحيفة فايننشال تايمز. ويُعزى ذلك إلى حزمة تسهيلات شملت إصدار التأشيرات الإلكترونية، وعروضًا ترويجية موجهة عبر مؤثرين ناطقين بالعربية على منصات مثل "تيك توك" و"إنستغرام".
تقرير TTW يؤكد أن الحكومة الروسية سعت إلى تقديم روسيا كبديل منخفض التكلفة للوجهات الأوروبية، مستفيدة من تراجع تدفق السياح الغربيين. وبحسب السفير البحريني في موسكو، أحمد الساعاتي، فإن "الحكومة الروسية عملت طوال ثلاث سنوات لتهيئة البنية التحتية السياحية لاستقبال الزوار من الخليج والعالم العربي"، مشيرًا إلى أن روسيا اليوم باتت تُعرّف نفسها بأنها "صديقة للعرب".
ووفق أرقام رسمية نقلتها صحيفة الأيام البحرينية، فقد زار روسيا نحو 165,735 سائحًا خليجيًا خلال عام 2024، بينهم 8,172 بحرينيًا، بينما سجل الربع الأول من 2025 وحده أكثر من 24,714 زائرًا خليجيًا، بينهم نحو 1,096 بحرينيًا.
من المؤثرين إلى الزوار: تسويق رقمي يُؤتي ثماره
تلعب وسائل التواصل الاجتماعي دورًا حاسمًا في دفع موجة السياحة الخليجية إلى روسيا. التقرير المنشور في فايننشال تايمز ينقل عن الشاب السعودي عقيل الدجاني (27 عامًا) قوله: "الأسعار والتسويق هما ما دفعاني للذهاب"، مشيرًا إلى أن جولته في موسكو وسانت بطرسبورغ كانت مدفوعة بمقاطع جذابة على "تيك توك".
ولم يكن وحده. بحسب TTW، فإن تزايد حضور روسيا على المنصات الاجتماعية، عبر محتوى يروّج لمعالم مثل قصر بيترهوف والساحة الحمراء، أغرى شريحة من الشباب الباحثين عن تجارب جديدة خارج الوجهات التقليدية.
تجربة الشتاء... ومغامرة عسكرية
في مشهد غير مألوف، يتوجه عدد من الزوار الخليجيين إلى روسيا شتاءً، رغبة في اختبار ظروف مناخية مغايرة تمامًا للبيئة الصحراوية. الطبيب السعودي حسن القطان، الذي زار روسيا في شباط (فبراير)، صرّح لصحيفة فايننشال تايمز قائلاً: "كنا نعلم أنه سيكون باردًا، لكننا لم نتوقع أن يكون بهذه الدرجة"، مضيفًا أن "التدفئة وارتداء الملابس الثقيلة كانت جزءًا من التجربة".
القطان خاض كذلك جولة سياحية ذات طابع عسكري، وصفها بأنها "الأكثر إثارة في الرحلة"، وقال: "شاركنا في جولة تُسمى 'تجربة الحرب'، تضمنت ركوب دبابة، إطلاق نار من كلاشنيكوف وقاذفة RPG، وتمارين خفيفة. كانت مليئة بالحركة".
خدمات فاخرة ومتطلبات خاصة
تُظهر البيانات من منصة "أوستروفوك" لحجز الفنادق في روسيا أن السياح الخليجيين ينفقون ما معدله 30% أكثر من الزوار الأوروبيين، وغالبًا ما يختارون فنادق فئة 4 أو 5 نجوم. وتشير TTW إلى أن روسيا بدأت بتكييف عروضها السياحية لتلبية احتياجات هؤلاء الزوار، من تقديم طعام حلال إلى توفير هدايا تقليدية مثل دمى "ماتريوشكا".
ورغم التحديات الناتجة عن العقوبات، مثل توقف بطاقات الائتمان الدولية وتعطيل تطبيقات الملاحة في موسكو، فإن الزوار يتأقلمون باستخدام النقد وسيارات الأجرة. ويؤكد سائح سعودي: "أنت تعتمد على سيارات الأجرة حتى لو لم تكن المسافة بعيدة".
دبلوماسية التأشيرة والطيران المباشر
من المتوقع أن يثمر التقارب الروسي الخليجي عن اتفاق لإلغاء التأشيرات بين موسكو وبعض عواصم الخليج. وبدأت شركات طيران خليجية، مثل "طيران ناس" و"الخطوط السعودية"، بتسيير رحلات مباشرة إلى روسيا، إلى جانب خطوط موسمية جديدة أعلنت عنها "العربية للطيران" الإماراتية نحو يكاترينبورغ.
ووفق ما أفاد به السفير الساعاتي، فإن "التأشيرات الإلكترونية والإعفاءات الممنوحة لدول مثل الإمارات وقطر وعُمان والأردن" جعلت الوصول إلى روسيا أكثر سهولة، وهو ما يفسّر هذا النمو المتسارع في التدفق السياحي.
ومع استمرار هذا الزخم، تبدو موسكو وسانت بطرسبورغ في طريقهما إلى ترسيخ موقعهما ضمن خريطة السفر العربي، في وقت تعيد فيه روسيا رسم علاقتها مع الأسواق غير الغربية على نحو يتجاوز الاقتصاد إلى التبادل الثقافي والسياحي.
استندت إيلاف في إعداد التقرير إلى مصادر: فايننشال تايمز و Travel and Tour World (TTW) وNews Of Bahrain.