أيها العرب، أيها المسلمون، في كل بقاع الأرض،
نحن أمة عظيمة، تجمعنا روابط الدين واللغة والتاريخ. نملك إمكانات هائلة وثروات بشرية ومادية لا تُحصى. ولكن في لحظات الأزمات المصيرية – كهذه التي تعيشها غزة اليوم – يتجلى الاختبار الحقيقي لحقيقتنا، وصدق انتمائنا، ووزننا في ميزان القيم.
غزة لا تُباد فقط بصواريخ الاحتلال، بل بصمت العرب:
ما يجري في غزة اليوم ليس مجرد عدوان، بل تطهير عرقي ممنهج، ومحاولة لاجتثاث شعب بأكمله، وتصفية قضية ما تزال – رغم كل شيء – حيّة نابضة.
نعم، الاحتلال الصهيوني يمارس أبشع الجرائم، لكنّ الجريمة الأكبر تكمن في خذلاننا، في صمتنا، في انشغالنا، بل وفي بعض الأحيان، في نصائحنا الجوفاء التي تطالب أهل غزة بتجنب المجاعة والاستسلام، وهم يواجهون الموت بصدور عارية.
غزة تُباد بصواريخ العدو، ولكنها تُطعن في الظهر بصمتنا وتخاذلنا.
صدمة الضمير: حين تكون الشعوب الغربية أعدل منّا
ما أعجب هذا الزمن!
في مفارقة تاريخية مؤلمة، نرى شعوب الغرب، التي طالما اتهمناها بالأنانية، تملأ شوارع واشنطن ولندن ونيويورك وبرلين بعشرات الآلاف، رافعة رايات فلسطين، مدينة الاحتلال، متحدية حكوماتها الداعمة لإسرائيل!
رأت هذه الشعوب في قضية فلسطين عدلاً إنسانيًا يستحق النصرة. وفي المقابل، عواصمنا العربية إما صامتة، أو غائبة، أو منشغلة بفتات المعارك الهامشية!
الغرب – الذي طالما اتهمناه بالأنانية والانفصال عن قضايا المظلومين – فهم جوهر القضية الإنسانية في غزة، وأدرك المأساة، وخرج إلى الشوارع يهتف للحق.
أين نحن من هذه الصحوة؟
كيف نرضى أن يتفوق علينا من لا يجمعه بنا دين أو لغة أو تاريخ في نصرة إخواننا؟
هل يجوز أن نواصل أكلنا وشربنا وسهراتنا وأخبار الترف، بينما الأطفال يُنتشلون أشلاء من تحت الأنقاض؟
التحدي كبير، لكنه ليس مستحيلًا. لا نطلب من كل شخص أن يحمل بندقية، بل أن يسأل نفسه بصدق:
ماذا يمكنني أن أفعل اليوم؟
هل أستطيع أن أساهم بدعاء؟ بدعم؟ بمعلومة؟ بتأثير في مجتمعي؟ بنشر وعي؟
أهل غزة يصمدون بلا ماء ولا طعام ولا دواء. يدفعون ثمناً باهظاً من دمائهم، بينما نحن نملك القرار والإرادة والمال، لكننا لا نملك الشجاعة!
من الغضب إلى الفعل: خريطة طريق لنصرة غزة
رغم حجم الألم، لا ينبغي أن نستسلم لدوامة الغضب واليأس. بل علينا أن ننتقل إلى دائرة الفعل والمسؤولية.
إن لم نستطع تغيير السياسات، فلنقاطع بضائع الظالمين. كلّ فردٍ، وكل مؤسسة، وكل حكومة، قادرة على الإسهام بما تملك. وهذه خمس خطوات عملية، ليست مثالية، بل ممكنة، ومطلوبة فورًا:
1. ضغط دبلوماسي وقانوني منظم:
لا يكفي الشجب. نطالب بحراك رسمي وشعبي حقيقي يدفع نحو محاكمة مجرمي الحرب، وكسر الحصار، وتحويل البيانات إلى قرارات دولية فاعلة.
2. مقاطعة اقتصادية ذكية ومنظمة:
المقاطعة ليست رد فعل عاطفي، بل سلاح استراتيجي إذا نُفذ بإرادة ووعي. قاطعوا منتجات الشركات الداعمة للاحتلال، فهذه اللغة التي يفهمها الغرب.
3. إعلام مؤثر يخاطب العالم:
إعلامنا يحتاج إلى الاحتراف. علينا أن نُخرج مآسي غزة من الخطاب العاطفي المحلي إلى خطاب عالمي موضوعي، يحرّك الرأي العام الدولي كما تفعل الشعوب الحرة اليوم.
4. دعم إنساني دائم وليس موسمي:
غزة لا تحتاج موسمًا من التعاطف. تحتاج إلى جهد إنساني ممنهج، يُوصل الغذاء والدواء، ويضغط لفتح المعابر، ويُعيد إعمار ما دمّرته الوحشية.
5. توحيد الصف والخطاب:
لا وقت الآن للانقسامات والصراعات الجانبية. القضية واضحة: احتلال وقتل وتهجير. لنتحدث بصوت واحد عن الحق والحرية والعدالة.
الختام: مسار من الأمل والمسؤولية
السؤال ليس "من المخطئ؟" بل "ما الحل؟". التحدي كبير، ولكن ليس مستحيلاً. بدلاً من توجيه الاتهامات التي تسبب الانقسام، علينا أن نبحث عن نقاط الالتقاء التي توحدنا للعمل.
كل واحد منا يملك أدوات النصرة. شارك في حملات التوعية، انشر الحقيقة بلغات العالم، قاطع منتجات الاحتلال، علّم أبناءك أن فلسطين قضية العزة والكرامة. دعاؤك الصادق، تبرعك البسيط، صوتك المرتفع، كلها خطوات تبني طريق النصر. لا تقل: "ماذا أستطيع أن أفعل؟"، بل اسأل: "ما الذي يمكنني فعله اليوم؟"
غزة تقدم درسًا في الصمود لا يُنسى. أهلها يدفعون ثمناً باهظاً من دمائهم. أقل ما نقدمه هو أن نكون أهلاً لهذا الصمود بأن نتحول من حالة الغضب والعجز إلى حالة الفعل والمسؤولية.
وتبقى غزة في كل الأحوال – بإذن الله – رابحة بصبرها، بثباتها، بدماء شهدائها، وبوعد الله الذي لا يُخلف.
"وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ"... والنصرة تبدأ بإرادة الإنسان وقوة فعله.