إيلاف من لندن: أفادت صحيفة The Times البريطانية، استنادًا إلى بيانات رسمية قُدمت للبرلمان البريطاني، أن عدد حالات سرقة المتاجر في إنجلترا وويلز بلغ 530,643 حالة خلال عام واحد فقط، حتى نهاية مارس 2024. هذا الرقم يشكل أعلى مستوى مسجل منذ أكثر من 20 عامًا، أي منذ بدء توثيق هذه النوعية من الجرائم رسميًا.
ووفق حسابات الصحيفة، فإن المعدل الحالي يعادل وقوع جريمة سرقة واحدة كل دقيقتين، في مؤشر بالغ الخطورة على تفكك السيطرة الأمنية في واحدة من أكثر دول أوروبا تنظيمًا.
إحصاءات مقلقة: 800 سرقة يوميًا لا يُلاحق مرتكبوها
أشارت The Times إلى أن حوالى 800 حادثة سرقة متاجر تقع يوميًا من دون أن يُلقى القبض على مرتكبيها، ما يعني أن أكثر من 289 ألف حالة سنويًا تمر دون أي إجراء تنفيذي، بينما لا تُوجَّه اتهامات في أكثر من 82% من مجمل الحالات.
هذه الأرقام تسلط الضوء على فجوة متزايدة بين ارتفاع الجريمة وفعالية أجهزة إنفاذ القانون، ما دفع بعض المسؤولين إلى الدعوة لانخراط المجتمع في مواجهة السرقات.
شهادات حية: "أمازون على قدمين"
في تحقيق ميداني نشرته The Telegraph، تروي الصحافية كيت ويلز شهادات من خط المواجهة المباشرة، من حراس أمن، وأصحاب متاجر، ومشرفي سلاسل تجارية كبرى، وموظفين، وحتى زبائن.
جورج باس، حارس أمن يعمل منذ أكثر من 20 عامًا، يصف مشاهد يومية باتت مألوفة: "شباب يقتحمون آلات البيع ويصورون أنفسهم وهم يسرقون، غير مبالين بكاميرات المراقبة، فقط من أجل كسب مشاهدات على وسائل التواصل".
ويضيف باس: "الكثيرون يسرقون بناءً على طلبات محددة يتلقونها عبر الهاتف... نطلق عليهم لقب 'أمازون على قدمين'."
تحدٍ تجاري: متاجر تُفرغ بعربات القمامة
بول جيرارد، مدير الحملات في سلسلة "كو-أوب" (Co-op)، صرّح لـThe Telegraph بأن متاجره تشهد بين 900 و1000 حالة سرقة يوميًا، مشيرًا إلى "أننا لا نتحدث عن ساندويتش إضافي، بل عن لصوص يفرغون الرفوف بعربات القمامة".
ويتابع: "المطلوب هو تعاون وثيق بين الشرطة والقطاع التجاري، ونحن نلحظ تحسنًا منذ تنفيذ خطة مكافحة جرائم التجزئة عام 2023، إذ ارتفعت نسبة استجابة الشرطة في مناطق الخطر من 20% إلى 65%".
عدوانية لافتة: ضرب وتهديد وتخويف
تتحدث شهادات عديدة عن ارتفاع مستوى العنف الذي يرافق السرقة. بحسب جيرارد: "يتعرض الموظفون للتهديد بزجاجات مكسورة أو عصي بيسبول، وهناك حالات اعتداء جسدي حقيقي، خصوصًا على النساء والأقليات".
وتؤكد منظمة British Retail Consortium في تقريرها السنوي أن أكثر من 2000 حادثة عنف أو إساءة تُسجل يوميًا ضد موظفي البيع بالتجزئة.
تجار صغار في خطر: "تكاليف الحماية تفوق الأرباح"
ويلفريد إيمانويل-جونز، مالك سلسلة "ذا بلاك فارمر"، يقول إن متاجره الصغيرة تتعرض يوميًا للسرقة، ويضيف: "توظيف حارس أمن يكلفني 4000 جنيه شهريًا، وهذا لا يمكن تحمله في تجارة بهوامش ربح صغيرة".
إيمانويل-جونز يطرح حلاً جذريًا: "يجب إلزام اللصوص المعروفين بوضع أساور إلكترونية، تُطلق إنذارًا عند دخولهم المتاجر". ويؤكد أن "السرقة اليوم لم تعد بدافع الحاجة، بل تجارة مربحة يُعاد بيع مسروقاتها في المحلات الصغيرة أو أسواق السيارات".
لا مبالاة عامة: شهادات زبائن مصدومين
تقول سارة، وهي زبونة من سَري، إنها شاهدت مجموعة من النساء يسرقن طاولات كاملة من متجر في مارليبون بلندن، ولم يتدخل أحد. "الموظفون قالوا إن هذا يحدث طوال الوقت. لا أحد اتصل بالشرطة، وكأن القانون لم يعد يعني شيئًا".
وتضيف: "لماذا أعمل وأدفع ثمن كل شيء إذا كان بإمكان أي شخص سرقة ما يشاء بلا عقاب؟"
قانون بلا أنياب: تحت عتبة الـ200 جنيه
عدد من العاملين بالقطاع يشيرون إلى ما يصفونه بـ"تقنين غير مباشر للسرقة". إذ تُعامل السرقات تحت عتبة الـ200 جنيه إسترليني باعتبارها مخالفات بسيطة، ما يُقلل من جدية التعامل معها من قبل الشرطة.
وتعليقًا على ذلك، طالبت منظمة BRC بإلغاء هذا الحد الأدنى، وزيادة تمويل الشرطة المجتمعية.
* المصادر: صحيفتا The Times و The Telegraph