: آخر تحديث

خلاف الأقوياء

1
1
2

بيّنتُ، عبر أكثر من مقال، حاجتنا إلى قانون ينظّم قضايا الإيجار، السكني والخدمي وغيرهما، إضافة إلى افتقادنا، بخلاف كل دول العالم تقريباً، لقانون ينظم العلاقة بين ملاك الشقق السكنية، مع تزايد أعداد هؤلاء، بين المواطنين، إضافة إلى عشرات الآلاف غيرهم من الوافدين.

في سعي وزارة العدل إلى تطوير منظومة التشريعات، والحد من المنازعات، التي تثقل كاهل القضاء، وتعطّل الفصل في القضايا، أصدر وزير العدل قراراً بتشكيل لجنة لدراسة وإعداد وتطوير المنظومة التشريعية المتعلقة بمسائل الإيجار، واستحداث منظومة تشريعية أخرى لتنظيم اتحاد الملاك، إلى جانب مراجعة بعض أحكام القانون المدني والتجاري ذات الصلة. وربما جاء تحركه الجميل استجابة لتكرار مطالباتنا، أو ربما لوضع حد للتزايد الكبير في أعداد قضايا الإيجارات، التي تُرفع في المحاكم، التي يبلغ متوسطها 22 ألف قضية سنوياً، إضافة إلى التزايد الملحوظ في قضايا الخلاف بين مالكي الشقق السكنية، وهي المشاكل نفسها التي طالما كانت ولا تزال عائقاً أمام قبول الكثيرين لفكرة الانتقال للسكن في شقة، وهي فكرة رائعة، خاصة مع التقدم في العمر، وبعد انتقال الأبناء للسكن بمفردهم.

سررنا كثيراً بما أورده السيد الوزير عن طبيعة اللجنة المتخصصة، التي سيناط بها وضع القانونين، الإيجار وملاك الشقق، ومراجعة بعض أحكام القانون المدني والتجاري ذات الصلة، وأن اللجنة ستباشر عملها وفق نهج تشاوري، يضمن إشراك الجهات المعنية في الدولة، سواء الجهات الحكومية، أو الجهات ذات الصلة بالقطاعين العقاري والإسكاني. والسعي تالياً لتحويل المنظومة إلى إلكترونية، وإنشاء لجان فض منازعات لتسريع الحصول على الحقوق.

لكن ما لم يسرنا مطلقاً ملاحظة أن اللجنة ستضم قامات قانونية، من مستشارين بمحكمة الاستئناف، وقضاة آخرين، كنا نتمنى، مع كامل الاحترام لشخوصهم، عدم إشغالهم بمهام وضع القوانين، فهذا يشكّل، بحد ذاته، تداخلاً في صلاحيات السلطات الأخرى، خاصة مع وجود جهاز حكومي متكامل مختص بوضع مشاريع القوانين، وصاحب خبرة تزيد على نصف قرن. ويصبح الأمر أكثر مدعاة للتعجب مع التراكم الخطير في عدد القضايا التي تنتظر الفصل، في مختلف درجات المحاكم، والحاجة الماسة إلى تواجد القضاة في الأماكن الأكثر نفعاً، وترك صياغة القوانين للجهات المعنية، فدور القاضي، في مختلف النظم، هو الحكم، وليس المشاركة في لجان وضع القوانين. وطالما امتنع القضاة عن المشاركة أو التعبير عن آرائهم في صياغة التشريعات، حتى مع الطلبات التي كانت تردهم سابقاً من رئيس مجلس الأمة. وإن رغب قاضٍ في توجيه رسالة برأيه في قضية أو مشروع قانون، فإنه غالباً ما يضمّنه حيثيات حكم ما! وما قيام الحكومة بتعليق التعديلات على قانون حماية الأموال العامة، التي شارك قضاة بوضعها، إلا دليل، من بين أدلة عدة، على عدم صواب التوسّع الأخير والخطير في تشكيل اللجان التشريعية بعضوية قضاة، مهمتهم النبيلة تكمن في الفصل في القضايا، وليس في صياغة القوانين، ونتمنى ألا يكون ذلك نتيجة خلاف، بين الجهتين الأعلى في الوزارة.


أحمد الصراف


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد