: آخر تحديث

إسرائيل ونعيم قاسم و"التعيين المؤقت" 

10
8
9

بعد انتخاب نعيم قاسم أميناً عاماً لحزب الله خلفاً لحسن نصر الله، نشر وزير الدفاع الإسرائيلي السابق يوآف غالانت تغريدة عبر منصة "اكس" انطوت على تهديد واضح وليس مبطن كما وصفته تقارير وكالات الأنباء حيث قال "تعيين مؤقت.. ليس لوقت طويل"، الأمر الذي يطرح تساؤلات حول احتمالية استمرار دولة إسرائيل في السياسة الناجحة لاغتيال قادة الميلشيات الإرهابية  الموالية لإيران،  وفي هذا الإطار يمكن الإشارة إلى نقاط عدة في مقدمتها أن دولة إسرائيل لا تزال تضع قيادة حزب الله في بؤرة الاستهداف العسكري لأن العمليات العسكرية التي ينفذها الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان تنطوي على تكلفة بشرية ومادية كبيرة، ما يدفعها للسعي لمحاولة كسر شوكة الحزب بكل الطرق بما في ذلك مواصلة اغتيال قادة مليشيا الحزب المتبقين، والنقطة الثانية أن نعيم قاسم قد استهل فترة قيادته لميليشيات الحزب بتبني نهج يبدو أكثر اندفاعاً وتشدداً من سلفه نصر الله، فالضربات التي ينفذها حزب الله في العمق الإسرائيلي باتت أكثر عشوائية واستهدف البعض منها مدنيين إسرائيليين للمرة الأولى،  حيث وسع حزب الله نطاق عمل المسيرات والصواريخ لتصل إلى حيفا وتل أبيب ويهدد باستهداف الكثير من المستوطنات الإسرائيلية رغم أن النتائج فاشلة ولا تتعدى اكثر من البروباغاندا التي يثيرها، حيث يقوم جيش دفاع دولة إسرائيل باعتراض وتدمير الكثير من الصواريخ والمسيرات فيما البقية تسقط لإثارة الفزع والخوف واحداث جلبة إعلامية .

معضلة دولة إسرائيل في استهداف نعيم قاسم أو غيره من قادة الميلشيات او الأذرع الإرهابية  الإيرانية لا تكمن في قرار الاستهداف بحد ذاته، فالمؤكد أن القرار جاهز داخل الأدراج ولا يحتاج إلى مشاورات جديدة داخل حكومة نتنياهو، ولكنها تتمثل بالأساس في عاملين مهمين أحدهما يرتبط بوجود معلومات استخباراتية موثوقة كتلك التي قادت إلى اغتيال حسن نصر الله، والأرجح أن هذا الأمر يبدو صعباً في ظل التطورات التي وصلت إليها المواجهات العسكرية بين دولة إسرائيل و"حزب الله"، حيث يرجح أن يكون الحزب قد اتخذ الاحتياطات اللازمة لحماية نعيم قاسم او تهريبه لسوريا او ايران، ولاسيما بعد التيقن من حجم الاختراق الاستخباراتي الإسرائيلي الهائل للدائرة الأمنية الضيقة داخل الحزب سواء من خلال عملاء تابعين للحرس الثوري الذي يعرف قادته تحركات قادة "حزب الله" تمام المعرفة، أو من خلال شخصيات قيادية داخل الحزب نفسه، وبالتالي يتوقع أن تكون هناك مراجعات دقيقة قد جرت للإجراءات الأمنية والحمائية الخاصة بتحركات وتنقلات قادة الحزب.

الثغرة الاخطر التي يمكن لدولة إسرائيل استغلالها واستثمارها في هذا الإطار أن جميع قادة "حزب الله" قادمون من المستوى التراتبي الثاني والثالث للقيادة داخل الحزب، حيث تم قتل معظم قيادات الصفين الأول والثاني في ضربات إسرائيلية مركزة ومتوالية خلال الفترة الماضية، وبالتالي يمكن توقع غياب الخبرات والمعلومات التي تتيح للقادة الجدد التحرك بأمان كاف بين مقرات الحزب ومخابئه ومقراته السرية، وبالتالي يمكن ترجيح وجود احتمالية عالية لوقوع أخطاء تؤدي إلى تسريب معلومات إلى اجهزة الأمن الإسرائيلية التي تتابع بكل تأكيد تحركات نعيم قاسم ورفاقه الجدد بكل دقة.

ثمة عامل آخر حيوي يدفع  دولة إسرائيل لمواصلة القضاء على تهديدات "حزب الله" وهو البيئة الدولية المواتية تماماً لتنفيذ خططها على هذا الصعيد، فبعد اغتيال شخصيات إرهابية بارزة موالية لإيران مثل حسن نصر الله وإسماعيل هنية ويحي السنوار وغيرهم من قادة كبار للحرس الثوري و"حزب الله" اللبناني، وانعدام أي تأثير سلبي لذلك على دولة إسرائيل في الحرب الدائرة بغزة وجنوب لبنان، فإن حكومة نتنياهو تجد في المضي بسياسة الاغتيالات، الاستراتيجية الناجحة والأنسب لتحييد مصادر التهديد الميلشياوية الإرهابية التابعة لإيران من دون كلفة كبيرة.

كل ماسبق يفسر تهديد وزير الدفاع الأسبق  يوآف غالانت بأن تعيين نعيم قاسم مؤقتاً أي أنها مسألة وقت حتى تصل إليه يد خطط الاغتيال الإسرائيلية، وبالتالي فإن هذا التهديد ليس افشاء لسر عسكري بقدر ماهو تصعيداً للضغوط على خليفة نصر الله ودفعه للانشغال بأمنه الشخصي على حساب التخطيط للمواجهات مع دولة إسرائيل.

الأرجح أن "حزب الله" بمساعدة ودعم مستشاريه العسكريين من الحرس الثوري الإيراني، سيكثف الجهود من أجل تفادي وقوع أمينه العام الجديد في فخ الاغتيال الإسرائيلي لأن الراعي الإيراني للحزب يدرك تماماً أن اغتيال نعيم قاسم قد يكون بمثابة الضربة القاضية الأخيرة للحزب ليس فقط بسبب القضاء على ما يمكن وصفهم بجيل مؤسسي الحزب، حيث قتل معظمهم ولم يتبق منهم ـ بحسب ماهو معلن ـ سوى أسماء قلائل مثل طلال حمية أو الشبح كما يسميه جهاز "الموساد" الإسرائيلي، وهو مسؤول العمليات الخارجية للحزب، ولكن أيضاً لأن المتبقين ـ المعروفين وغير المعروفين منهم ـ ليسوا بخبرة المسؤولين السياسيين الذي اغتيلوا في عمليات اغتيال إسرائيلية دقيقة، وبالتالي يصبح ايجاد البديل القادر عن لملمة شتات الحزب مجدداً من الأجيال الأصغر عمراً يبدو صعباً ومعقداً للغاية ويحتاج إلى وقت طويل. من المؤكد ان دولة إسرائيل سوف تستمر وتطور في سياسة الإغتيالات الناجحة وتستهدف تحييد والقضاء على مصادر الأخطار والتي هي سياسة مثمرة على الفترة البعيدة مالم تتعرض لضغوط دولية لوقفها او إعاقتها.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.