الموحدون الدروز يبلغ عددهم 800 ألف نسمة في سورية، ويسكن غالبيتهم جنوب البلاد، أما الكرد فيبلغ عددهم مليوني نسمة وربما أكثر، ويسكن غالبيتهم شمال وشمال شرق البلاد. لا توجد إحصاءات رسمية موثقة يمكن الاعتماد عليها بهذا الصدد، والأرقام أعلاه هي للأسف أرقام تقريبية غير دقيقة، عكس الآتي أدناه، فهي حقائق جازمة لا ريب فيها.
تعرض الدرزي السوري على مدى عقود طويلة من الزمن، خلال فترة حكم حافظ الأسد ومن ثم ابنه الفار المخلوع بشار الأسد، لسياسات تمييزية قمعية قائمة على الاستبداد والحرمان والفقر والظلم والجور والطغيان. والكردي السوري كذلك، تعرض لنفس ما تعرض له الدرزي السوري، بالإضافة إلى تمييز آخر كان أشد وقعاً وإيلاماً عليه كمكون إثني مختلف، وعانى أشد المعاناة من سياسات عنصرية شوفينية آثمة أقدم عليها الأسد الأب ونظام البعث البائد، كقانون الإحصاء والحزام العربي السيئ الصيت.
الدرزي السوري شارك في الثورة السورية منذ بداياتها، وخرج في مظاهرات تنادي بالحرية والكرامة وإسقاط النظام. الكردي السوري فعل الشيء نفسه، لكن بعد أسلمة الثورة السورية وعسكرتها، حينها فقط بدأت الاختلافات والفوارق تظهر بوضوح بين دروز سورية وكردها. فالدروز السوريون اتفقوا على الكلمة الواحدة، واجتمعوا تحت خيمة مرجعيتهم الدينية الحكيمة، مرجعية "شيوخ العقل"، بينما كرد سورية، وعلى عكس دروزها، كلمتهم لم تكن واحدة، ولا وجود لمرجعية في قاموسهم، ولا خيمة ينضبون وينضبطون تحتها، بل كانوا يتوزعون على أحزاب متناثرة متناحرة، ويقال إنها تجاوزت المئة حزب وتنظيم، وربما أكثر، ولا يزالون على حالهم يعانون من الفرقة والخلاف والميل للتشرذم.
الدروز السوريون كانوا ولا يزالون لهم مرجعيتهم السورية الصرفة، وعلى رأسها المرجع الحكيم حكمت الهجري، ولا يتلقون تعليمات ولا أوامر من مرجعيات خارجية درزية كالمرجعية اللبنانية مثلاً، ولم يعتمدوا يوماً من الأيام على الخارج اللاسوري، ويتمتعون بتمام وكامل الاستقلالية، وعلى قاعدة "أهل مكة أدرى بشعابها"، لا يملي عليهم أحد تصرفاتهم وكيفية إدارة شؤونهم. أما كرد سورية، إضافة لعدم وجود مرجعية موحدة تجمعهم، يتميزون بروح تبعية عالية للخارج الكردي اللاسوري، وهم منقسمون على أنفسهم. قسم يتبع أربيل - هولير، وقسم آخر يتبع قنديل. وبعد تحول الثورة من ثورة سلمية إلى ثورة مسلحة، غادر أنصار أربيل من قادة وقيادات حزبية إلى أربيل نفسها في أول فرصة سانحة لهم، وحطوا رحالهم في ربوعها، وجلسوا في الحضن الدافئ لأربيل، وأكلوا من طعام أربيل، وناموا في فنادق أربيل، ولحقهم الجمهور الكردي المحسوب عليهم، تاركاً أرضه ودياره، ومن هناك قرر الترحال واجتاز الحدود والبحار ليستقر به الأمر في بلدان الهجرة والارتحال.
أمَّا القسم الآخر الكردي السوري، الذي اختار لنفسه قنديل وحزب العمال الكردستاني التركي نهجاً يهتدي به، فلم يذهب هذا الكردي السوري لأي مكان، بل استقدم عناصر وكوادر متقدمة من الحزب المذكور من جبال قنديل إلى حضن مناطقه، واحتضنهم مؤتمراً بأوامرهم، ومنتهجاً نهجهم، ومستعدياً لمن يعاديهم. ومن شدة غرامه بقنديل، أصبح يقلد القادم من وراء الحدود ويحاكيه في كلامه ولهجته، وقيامه وقعوده، ويسلك سلوكه لدرجة يصعب على المرء معرفة كون أحدهم من قنديل أو مدينة القامشلي السورية. وهذا الطرف أو بالأحرى النصف القنديلي من كرد سورية، بعد أن استفرد بالسيطرة على المناطق الكردية السورية، أقام فيها إدارته "الذاتية الديمقراطية"، ورفض رفضاً قاطعاً إشراك الطرف الآخر الكردي السوري الغنيمة التي اغتنمها، واعتبرها ملكاً له ولأجداده، لا ينازعه فيها أحد وكأنه ملكه إلى الأبد، بطريقة استبدادية لا ديمقراطية.
الدرزي السوري، ومنذ اندلاع الثورة السورية، انصب جل اهتمامه على المحافظة على أمن وسلامة سكان منطقته وطائفته، واتبع سياسة دفاعية محضة خالصة، وبجهود ذاتية بحتة من تبرعات مالية ومنح بسيطة، تمكن من تسليح شبابه بسلاح فردي خفيف لحماية مناطقه من إرهاب النظام من جهة، ومن المجموعات الإرهابية المتشددة من جهة أخرى، واعتمد على فصيلين كبيرين هما، رجال الكرامة وفصيل لواء الجبل، ورفض إرسال ابنه للخدمة في جيش النظام المخلوع، خوفاً وخشية على حياته. ولأنَّ الدرزي السوري حافظ على منطقته آمنة سالمة قدر الإمكان، لم يهاجر الدروز السوريون وكانوا الأقل هجرة مقارنة بباقي المكونات السورية، وضحاياهم من جراء الحرب الطاحنة التي شهدتها البلاد كانت أيضاً الأقل، مقارنة مع كل المكونات السورية الأخرى.
إقرأ أيضاً: نهاية ب ك ك
أما الكردي السوري الذي تصدر المشهد، فقد سيطر على المناطق الكردية السورية في بدايات الثورة السورية، وبدعم مئات المقاتلين من حزب العمال الكردستاني، الذين جاءوا من جبال قنديل، وباتفاق ضمني غير معلن مع بشار الأسد، حيث انسحبت قوات هذا الأخير لتحل محلها قواتهم المسماة بـ "ي د" في حينها. لم يكن هذا الكردي الذي استحوذ على قيادة كرد سورية، له همّ ولا غمّ سوى الاهتمام بتنفيذ ما يأتيه من تعليمات وتوجيهات صادرة من قنديل. وبالتالي، وضع كرده، كرد سورية، في عداء دائم مع تركيا، الدولة الجارة لكرد سورية، والتي لا مصلحة لهم في عدائها. وفي الوقت نفسه، دفع بكرده، كرد سورية، للتوسع والتمدد على كامل شرق الفرات، لا بل حتى على مناطق في غرب الفرات، وسيطر على مدن سورية عربية خالصة، كمدن مثل الرقة ودير الزور ومنبج وغيرها، ليخضع سكان تلك المناطق، بالإضافة لكرد سورية، للاختبار التطبيقي لنظرية القائد الملهم الأوحد عبد الله أوجلان، الطوباوية المابعد قومية، والتي تقوم على مبدأ انصهار الشعوب والقوميات وكل المجموعات البشرية، ومحوها في بوتقة "أخوة الشعوب الديمقراطية". ولتحقيق أهداف قنديل، في العداء لتركيا من جهة وتطبيق نظرية القائد من جهة أخرى، فتح كرد سورية "القنادلة-الأبوجيين" ذراعهم للعرب وباقي المكونات العرقية والطائفية من عرب وسريان وشركس، وضمهم لقواته. كما قامت هذه القوات بدور الشرطي الدائم الاستعداد، لتنفيذ خطط قوات التحالف الدولي لمحاربة داعش، تحت قيادة الولايات المتحدة الأميركية وبقية الدول الغربية، ودفعت بشباب الكرد وشباب بقية المكونات القاطنة في مناطق نفوذها إلى جبهات القتال.
الحصيلة كانت إزهاق أرواح عشرات الآلاف من الشابات والشبان الكرد على تلك الجبهات. وحتى تقوم هذه الإدارة بدورها على أكمل وجه، فرضت التجنيد الإجباري على كل من بلغ السن القانونية، فلم يعد سكان المناطق التي تحت سيطرتهم يحسون بالأمان والاطمئنان، وفي مقدمتهم الكرد، مما أدى إلى هجرة واسعة للمكون الكردي السوري. ويقال إنَّ هذه الهجرة بلغت نصف عدد إجمالي كرد سورية. واليوم وإلى الآن، وبعد أكثر من شهر على تحرير دمشق وفرار الأسد وسقوط البعث، لا يزال شباب كرد سورية يُقتلون ويُسحلون على جبهات قتال عبثية لا معنى لها، ولا ناقة لكرد سورية فيها ولا جمل.
إقرأ أيضاً: سورية بخير
خلاصة القول، دروز سورية كانوا أذكى وأحكم وأحلم من كردها، عملوا بهدوء وحكمة واتفاق فيما بينهم، وحكموا العقل والبصيرة بدل الجهل والرعونة، وكانوا صادقين مع أنفسهم ومصالح طائفتهم، فوفقهم الله ليتجنبوا الهجرة وترك أراضيهم ومدنهم وقراهم، وخرجوا منتصرين بعد انتصار الثورة بأقلّ الخسائر، وعلاوة على ذلك كانوا أول من دخل جنوب دمشق، كفاتحين منتصرين.