حماس في خضم حرب غزة تفقد رئيس مكتبها السياسي والرجل الأول في المفاوضات، الذي قيل عنه إنه الأقرب للوصول إلى الحل. وكأن إسرائيل، المتهمة باغتياله، لا تريد الوصول إلى حل يفتح الطريق لعودة الأسرى الإسرائيليين وحل الأزمة في غزة. وحماس، منذ تأسيسها وحتى اليوم، تعلم أن قياداتها على رأس قائمة التصفية في إسرائيل، وغياب هنية ليس جديدًا في الصراع، بل كان متوقعًا منذ اليوم الأول لتعيينه، كما سبقته اغتيالات أحمد ياسين والرنتيسي. فما الجديد الذي يجعل حماس تتأخر في اختيار خليفته؟
ولماذا تم اختيار يحيى السنوار من بين القيادات الحمساوية الأخرى، رغم توقع الكثيرين أن يقع الاختيار على خالد مشعل مثلاً؟
وماذا يمكن للسنوار أن يحقق أو يحدث فرقًا عن إسماعيل هنية؟ أم أنه سيكمل المسيرة في ظل المنعطف الأخير في غزة؟
أسئلة كثيرة تفرض نفسها بحثًا عن قراءة قريبة لمستقبل الوضع في غزة من خلال التغيير في رأس السلطة في قطاع غزة.
وبعد طرح تلك الأسئلة على أصحاب أقلام استراتيجية سيّالة، خلصت إلى عدة آراء.
إذ يرى الدكتور إبراهيم منصور الحمد أن "حماس تبدأ في اختيار قادتها بنفس الطريقة الإسرائيلية (ديان، بيغن، شارون ونتنياهو)، كلهم قادة عسكريون يعشقون المواجهات والحروب لتوازن الرعب السياسي في نهاية المطاف".
ولفت انتباهي وجهة نظر الأستاذ سعد السبيعي، الذي قال: "يبدو أن قيادات حماس تسعى لإظهار تماسكها وقدرتها على السير في طريق الحرب إلى آخر مدى، بشكل منافٍ للحقائق على الأرض وما تلقاه الذراع العسكري من ضربات موجعة واغتيالات متتالية بعد السابع من أكتوبر 2023.
كما أن هذا التنصيب يعكس مدى التأثير القوي للراعي الإيراني وتوجيه الدفة لدى جميع الأذرع في الاتجاه الذي يخدم مصالحه، حيث تشهد المرحلة سباقًا بين إسرائيل وإيران لإبراز عناصر القوة لدى الطرفين، وما حماس إلا ورقة من أوراق الاستعراض".
وهناك رأي شدني كثيراً للكاتب المعروف خلف العبدلي إذ يقول: "أن حماس فيها تيارين على الأقل، إن لم يكن أكثر. الأول يقودها تحت مظلة الحرس الثوري الإيراني، وأبرزهم كان هنية والسنوار، والتيار القيادي الثاني تحت مظلة قطر، وأبرزهم خالد مشعل. وكأنه التيار الوحيد الذي يُبقي حماس تحت مظلة العرب. ورغم ما قيل من أن خالد مشعل أكثر تشدداً في المفاوضات من هنية، لكن المشهد يؤكد أن حماس تعاني من عدم قدرتها على فهم واقعها ومستقبلها، وما يبدو لي جلياً أن قرارها قاب قوسين أو أدنى من أن يكون قد اختطف من قبل إيران.
لا نعلم حقيقة ما يفكر به السنوار الآن، ولكن الخيارات لديه قليلة جداً والسبيل الأفضل أن يعيد التوازن للقرار الفلسطيني، وأن يحول الكارثة التي وقعت فيها غزة إلى أمل أكبر في صياغة حل يحقق المصلحة العليا، وحتى لا تذهب كل هذه الدماء هباء منثوراً. ورغم ما تحاول أن تبديه حماس من تماسك، لكن واقع الحال اليوم يشهد على تراجع كبير وصراع داخلي حقيقي. يبدو أن أغلب القيادات باتت تستدرك المأزق الحقيقي الذي وضعوا فيه القطاع وأهله ومستقبلهم السياسي أيضاً.
السنوار قد لا يكون الحل الأنجع، لكن ليس للعرب أو الفلسطينيين إلا أن يأملوا فيه خيراً، لعله ينقذ ما بقي من غزة، ويدفع أكثر نحو عروبة القرار في غزة، ويدفع نحو تقارب حماس مع السلطة الفلسطينية لمصلحة القضية وتعاضد القوى الفلسطينية.
ربما في هذا إجابة على كل الأسئلة بتصرف."
وأتوقع، والله أعلم، أن اختيار السنوار هو بداية حتمية للتصعيد مع إسرائيل، خاصة أنه على قائمة المطلوبين لديها، وبالتالي فإن اختيار أحد القيادات العسكرية الذي يفتقد إلى حدٍ كبير للخبرة السياسية، ومنها التعامل مع الملفات الساخنة، من قِبل حماس يؤشر على صفحة جديدة من العنف ودخول الصراع الفلسطيني الإسرائيلي إلى مرحلة أكثر تشدداً، وانعكاس ذلك سلباً على أمن واستقرار المنطقة بشكل عام.