عندما تبرّع إيلون ماسك بـ120 مليون دولار لدعم حملة دونالد ترمب الانتخابية، بدا الأمر مهولاً، لكنه سرعان ما حصد مقابلها 30 ملياراً، عندما ارتفعت أسهم شركاته بمجرد أن فاز مرشحه، لتقترب ثروته من 300 مليار دولار، بلمح البرق. والآتي أهم، فالرجل سيتولى مهمة «لجنة كفاءة الحكومة» مع فيفيك راماسوامي، ويكون مسؤولاً عن عمل إصلاحات وإعادة هيكلة إدارية شاملة.
بهذا ستجتمع للملياردير ماسك صلاحيات لم تُعطَ لغيره. إذ سيكون رئيساً لشركات عدة من بين الأضخم دولياً، وموظفاً حكومياً، يدير قرارات إدارية في أقوى دولة في العالم، في وقت واحد. لهذا ثمة من يشترط أن يتنازل، على الأقل، عن إدارة مصالحه التجارية، وهذا مستبعَد.
صحيح أن الكونغرس عليه أن يوافق على القرارات الكبرى التي سيتخذها ماسك، لكنَّ هذا لا يمنع التلاعب، ولا يكبح ترمب عن أن يتخذ قرارات ضريبية تصبّ في صالح صديقه. لا، بل ثمة قانونيون يتساءلون عن دستورية تشكيل رئيس البلاد مؤسسة فيدرالية يسلمها لماسك، بمبادرة خاصة منه من دون العودة إلى الكونغرس.
شيء من الفوضى والإرباك بسبب رغبة ترمب في تسيير البلاد باتجاه غير الذي كانت عليه، متخطياً العقبات البيروقراطية الجامدة، مستفيداً من صداقة مفاجئة، لحظة تعرضه للاغتيال. إذ بدأت قصة حب بين رجلين، يجمعهما الشره للمال، وعشق السلطة، وغرائبية الطبع، وتقلب المزاج، ويفرِّقهما بعد ذلك كل شيء.
هذه الصداقة بدأت تتسبب بعواصف. إيلون ماسك، يشعر بالسطوة، ويريد أن يأتي بوزير خزانة يناسبه. يختار الملياردير هوارد لوتنيك، محاولاً دق إسفين بين ترمب ومحاميه ومستشاره الملياردير بوريس إبستين، لإبعاده عن المنصب، متهماً إياه بتسريب معلومات انتخابية إلى الإعلام.
بلغ الأمر بماسك أن يطلب من متابعيه في «إكس» رأيهم: هل يفضلون إبقاء السياسات المالية على حالها مع إبستين، أم التغيير مع لوتنيك؟
طريقة عجيبة، استفتاء متابعين، لاختيار وزير مالية دولة كبرى. لكن الأمور ذاهبة باتجاه مزيد من الغرائبيات، والصراع على السلطة، يدور بين مجموعة من أصحاب المليارات، وأصحاب الشركات النافذة، كون المناصب، وسيلة لزيادة ثرواتهم، وإن كان الشعار هو «أميركا ستعود قوية».
المواطن الأميركي المسكين، يهرع مستعجلاً لشراء احتياجاته قبل وصول ترمب، ورفع الضرائب وغلاء الأسعار، والأغنياء يتحاربون على اقتسام الكعكة. لبنان، إذن، ليس سوى بروفة تجريبية صغيرة لما يدور في أماكن أخرى، بشكل أكبر فداحة.
ماسك، بما يجتمع له من سلطات، يتحول إلى نموذج لديكتاتور عصري لطيف. يطل علينا من كل زاوية، حاضر على الشاشات، وفي الصحف، يطلع كيفما قلَّبت في جوالك، لا يتوقف عن التغريد، كما أنه عزز تغريداته بحيث تراه من دون أن تكون مهتماً به. وهو يُفتي في أمور السيارات، و«بتكوين»، وغزو الفضاء، والصحافة، والإصلاح الإداري، والحملات الانتخابية، وإدارة الثروات، وضرورة الإنجاب، وكل ما لا يخطر على بال.
لا شك في ذكاء ماسك، ولا عبقريته، ولا حتى مهارته في تنمية ثروته، أو فحولته في إنجاب دزينة من الأطفال، رغم كثرة انشغالاته. هذا شخص بدأ انطوائياً، وقضى سنوات طويلة، يقرأ كتابين في اليوم، وهو ما يفسر اطلاعه على مجالات متعددة، عدا مساره المهني التجريبي المغامر والعنيد في مجالات تكنولوجية كثيرة، قبل أن يصل إلى الصاروخ والسيارة.
لكنَّ هذا ليس مبرراً كي يعطى قدرة التحكم في رقاب الكوكب؛ فقد أُعطي ما لم يحلم به غيره؛ مشروع الشريحة الذكية التي قال إنه نجح في غرسها في رأس إنسان مصاب بالشلل كي يتحكم بالآلات التكنولوجية بمجرد التفكير، ومن دون تحريك الأطراف، كانت قد بدأت تجاربها شركتان قبله بسنوات، ولم تُمنح التمويلات التي حظي بها ولا الدعاية.
شطارة، حظ، أو احتيال، ربما تحالفت مجتمعةً، وبشرائه «إكس» بـ44 مليار دولار، وضع يده، على أهم منصة إعلامية للترويج لنفسه، والقضايا التي يريدها، لا بل يتلاعب بالعقول من خلال برمجة الخوارزميات بالطريقة التي تسمح بتعزيز ما يريد وتقليل ظهور ما يجده غير ملائم. وثمة من يتساءل عن سبب ازدياد الشتائم، وتغريدات الحقد والكراهية على منصة «إكس» وإن كان صاحبنا يراها في صالحه، إذ إن هذا النوع من الإثارة يزيد من عدد المتابعين ويدفعهم إلى البقاء أطول على التطبيق من خلال الاستفزاز، وتجييش العواطف، وزرع الإحساس بضرورة الرد، وانتظار الرد، إلى ما لا نهاية.
يخرج لنا إيلون ماسك من كل مكان، من الصحف، إلى جانب دونالد ترمب، مع ساندويتشات الهمبرغر، والسيارات، و«بتكوين»، والذكاء الاصطناعي. مالئ الدنيا وشاغل الناس. فهل يكمل ماسك إحكام قبضته السلطوية، أم تنتهي سريعاً بصراع أصحاب المليارات؟