: آخر تحديث

سقوط الأساطير.. من تل أبيب إلى طهران

22
21
18

يصح القول أن حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة بكل سياقاتها وهوامشها هي حرب سقوط الأساطير كلها. فقد أسقطت عملية "طوفان الأقصى" أسطورة التفوق الإسرائيلي الكاسح، وعرتها مسيرات حزب الله.

وفي المقابل، فإن عملية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، وقبلها بسويعات عملية اغتيال أرفع قيادي عسكري في حزب الله، أسقطتا في آن معاً أساطير حزب الله وإيران، الإعلامية والعسكرية، عن الحماية والردع واليد العليا الضامنة. فلا الباليستي حما أرض إيران، ولا مسيرات "ملوك السماء" وفق بروباغندا حزب الله حمت معقله الحصين بضاحية بيروت الجنوبية.

طوفان بدائي أسقط الأسطورة الإسرائيلية

قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، كانت إسرائيل تتباهى بتفوقها العسكري والتكنولوجي، وصناعاتها الدفاعية، وأنها باتت علامة تجارية عالمية رائدة، الى درجة تسجيل ارتفاع حصة الصناعات الدفاعية من الصادرات خلال 5 سنوات من 4 الى قرابة 13 مليار دولار عام 2023.

من مؤشرات التفوق التي جرى ترويجها بقوة على الصعيد الإسرائيلي حجم إقبال الدول الغربية على صناعاتها الدفاعية، حيث أشار تقرير صادر عن وزارة الدفاع الإسرائيلية حول الصناعات الدفاعية لعام 2023 أن 35 % من نسبة الصادرات في هذا القطاع كانت لأوروبا. بمعنى أن العديد من دول القارة العجوز باتت تستورد أنظمة الدفاع الجوي، والأنظمة التكنولوجية المتطورة المتعلقة بالتنصت والملاحقات الالكترونية المعقدة من إسرائيل.

من بينها دول رائدة في مجال التصنيع مثل ألمانيا، التي أبرمت مع تل أبيب صفقة عسكرية اعتبرت "تاريخية"، لشراء منظومات دفاع جوي فرط صوتية من طراز "آرو-3" بقيمة تجاوزت 3.1 مليار دولار، وذلك في أغسطس/ آب 2023، أي قبل شهرين فقط من حصول عملية "طوفان الأقصى". في حين أن 48 % من عمليات تصدير الصناعات الدفاعية كانت من نصيب آسيا والمحيط الهادئ، حيث روجت إسرائيل لدور أنظمتها الحاسم في الحرب التي شنتها أذربيجان على "قره باخ" وغيرها.

لكن عملية "طوفان الأقصى"، التي انطلقت من قطاع غزة، الذي يوصف بأنه "أكبر سجن مفتوح في العالم"، داست على الاستعلاء الإسرائيلي، وحطمت أسطورة التفوق العسكري والتكنولوجي الذي يضمن حماية الاستعمار الاستيطاني للأراضي الفلسطينية واستدامته، وبأدوات وعناصر بدائية إذا ما جرت مقارنتها مع ترسانة إسرائيل الحربية. 

هذه العملية، وبمعزل عن التقييم السياسي والإنساني لها ولمن قام بها، أشعرت إسرائيل، وللمرة الأولى منذ قيامها عام 1948، بخطر وجودي حقيقي. فحتى حرب أكتوبر/ تشرين الاول عام 1973، التي انتصر فيها الجيش المصري على آلة الحرب الإسرائيلية وحطم أسطورة "خط بارليف" الدفاعي الحصين في حينها، كانت بعيدة جغرافياً عما تعتبره إسرائيل أراضي دولتها.

لذلك أطلقت العنان لآلتها الإجرامية للإيغال في دماء المدنيين من أهل غزة في مجزرة مستمرة منذ 10 أشهر، من أجل رتق جرح كبريائها، لكن الأسطورة سقطت. وباتت إسرائيل بحاجة الى وقوف الغرب كله خلفها صفاً واحداً، والى تدفق أسلحته المتنوعة من صواريخ وقنابل ذكية وخلافه.

بين "هوليوود" إيران و"ملوك السماء"
كذلك الحال لم تنفع إسرائيل لا القبة الحديدية ولا كل الأنظمة الدفاعية والتكنولوجية الباهظة التكلفة في حمايتها من مسيرات حزب الله الزهيدة التكلفة. وهذا ما دفع بجماعة الحوثيين الى التجرؤ وإرسال مسيرة الى تل أبيب نفسها، قطعت عشرات الأميال دون أن تدري بها إسرائيل، إلا بعد وصولها الى تخوم السفارة الأميركية.

في المقابل، فإن عملية القصف الإيراني لإسرائيل ذات الطابع "الهوليودي"، فشلت في ردع إسرائيل عن استهداف قيادات حرسها الثوري، على عكس الأسطورة التي ما انفكت طهران عن الترويج لها. فواصلت إسرائيل حصد القيادات الإيرانية في سوريا واحداً تلو الآخر. وذهبت أبعد من ذلك بكثير في استهدافها رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في قلب طهران، في رسالة نارية داست على كبرياء نظام الملالي، دون أن تنجح كل الاختراعات العسكرية والتكنولوجية في حماية السيادة الإيرانية والحؤول دون خرقها.

بالمثل أيضاً، وبينما كان حزب الله يروج لنظرية "ملوك السماء"، وأنه صار لديه منظومة صواريخ ومسيرات مرعبة، فشلت كل الدفاعات الإسرائيلية وأنظمتها المتطورة في منعها أو اختراقها. بما يعزز من توازن الرعب مع إسرائيل، ويجعل حكومتها المتطرفة تجري حسابات معقدة قبل التفكير باستهدافها العاصمة بيروت وضاحيتها الجنوبية. أتت حادثة "مجدل شمس" بعد ساعات من هذه "البروباغندا"، لتبدأ هذه الأسطورة بالسقوط سريعاً.

فقد ظهر حزب الله مربكاً، واحتاج الى دعم الزعيم الدرزي وليد جنبلاط للحؤول دون اندلاع فتنة مذهبية. بالتوازي مع مبادرته الى إرسال رسائل "حمائمية" عبر مختلف القنوات الدبلوماسية، يؤكد فيها حرصه على عدم استهدف المدنيين الإسرائيليين، على النقيض من التصعيد الكلامي المنبري الموجه للاستهلاك على الساحة المحلية، وفي العالمين العربي والإسلامي. ومع ذلك استهدفت إسرائيل فؤاد شكر أو "الحاج محسن"، رئيس أركان حزب الله وأحد مؤسسيه، وفي قلب مربعه الأمني الحصين في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت. فسقطت "بروباغندا" حزب الله وأسطورة توازن الردع، وخوف إسرائيل من الرد.

كيف نجحت إسرائيل في إصابة أهدافها 100 بالمئة؟
من المؤشرات الحاسمة على سقوط أسطورة الردع لحزب الله وإيران ليس عملية الاستهداف فقط، لعمق الأول وسيادة الثانية، بل في نسبة النجاح الإسرائيلية في إصابة الأهداف، سواء في لبنان أو سوريا، والتي بلغت 100 %، على الأقل منذ بدء الحرب في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي. الأمر الذي يشي بوضوح الى حجم الاختراق الإسرائيلي للحرس الثوري وأكثر منه لحزب الله، وطبيعته الرفيعة المستوى، على الرغم من كل التدابير التي اتخذها الطرفان والتي بلغت مستويات قياسية. 

فكما أن هناك من أكد وجود نائب رئيس المكتب السياسي لحماس صالح العاروري في المكان الذي استهدفته مسيرة إسرائيلية، أيضاً هناك من أكد وجود فؤاد شكر مساء الثلاثاء في المكان الذي جرى استهدافه، وهو الذي لا يعرفه إلا دائرة ضيقة جداً من كبار قيادات حزب الله. وكذلك الحال فيما بينهما من عمليات طالت قيادات بارزة كانت حذرة للغاية، وعلى مساحة جغرافية واسعة.

هذا النجاح الإسرائيلي المذهل في دقة إصابة الأهداف، يسقط أسطورة التنظيم الحديدي العصي على الاختراق، ويدحض شهادات العمالة التي ما انفك حزب الله عن إغداقها على كل من يعارض أيديولوجيته الشمولية، من أحزاب وقوى ونخب سياسية وفكرية وثقافية وإعلامية. في الوقت الذي ثبت أنّ العملاء الحقيقيين هم من بين هؤلاء الذين يوزعون شهادات العمالة عبر منابر منصات التواصل الاجتماعي، أو أولئك الذين يتسابقون للتمجيد بـ"المقاومة" وقادتها، وربما يجلسون في الصفوف الأولى.

هي مرحلة "سقوط الأساطير"، وحرب انتهاء البروباغندات التي صرفت المليارات لبناء نظرياتها وتسويقها. 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف