: آخر تحديث

الرقية الشرعية... علاج شامل للجسد والنفس والروح

4
4
4

مبارك الهزاع

الرقية الشرعية هي أحد أهم الوسائل العلاجية التي شرعها الإسلام للشفاء من الأمراض الروحية والجسدية، ولكن مع تطور الفهم الطبي والروحاني، أصبح من الضروري تطوير أساليب الرقية بحيث تشمل العوامل العضوية والنفسية إلى جانب التأثير الروحي. من هذا المنطلق، يجب أن تأخذ الرقية الشرعية نهجاً أكثر شمولية يعتمد على القرآن والعلم، مع الاستفادة من المفاهيم الصحية الحديثة، مثل الصيام والتغذية الصحية والعلاج السلوكي.

من المعلوم أن السحر المأكول والمشروب يدخل إلى جسم الإنسان عبر الطعام والشراب، وهو أشبه ما يكون بإدخال ميكروبات ضارة تؤثر على وظائف الجسم والعقل. ولتقريب الصورة، يمكن مقارنة ذلك بمرض البلهارسيا، حيث تدخل الطفيليات إلى جسم الإنسان عبر الماء الملوث، ثم تستقر في الكبد أو الدماغ، مما قد يؤدي إلى أعراض مثل الهلاوس والوساوس نتيجة تأثيرها على الجهاز العصبي.

وبالمثل، فإن بعض أنواع السحر المأكول والمشروب قد تحتوي على مواد سامة أو طفيليات تسبب اضطرابات نفسية وعقلية تجعل الإنسان يشعر بالوساوس والقلق المستمر. وهنا يأتي دور الصيام كوسيلة فعالة لتطهير الجسم من هذه السموم، حيث يعمل الصيام على:

1. تجويع الطفيليات والفطريات التي تتغذى على السكريات والمواد الغذائية المتراكمة في الجسم.

2. تحفيز عملية الالتهام الذاتي (Autophagy)، التي تساعد على تنظيف الخلايا من السموم والمركبات الضارة.

3. تحسين وظائف الجهاز المناعي، مما يساعد الجسم على مقاومة التأثيرات السلبية للسحر.

عندما تعرض النبي أيوب -عليه السلام- لمَسّ الشيطان بالنُّصْبِ والعذاب، جاء العلاج في القرآن الكريم؛ حيث قال الله تعالى:

«ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ» (سورة ص: 42).

وهذا يدل على أهمية الماء البارد كوسيلة علاجية للتخلص من الآثار السلبية للمسّ والسحر؛ حيث إن الماء البارد يساعد في:

• تنشيط الدورة الدموية وتقوية الأعصاب.

• تقليل تأثير الطاقات السلبية التي قد تكون ناتجة عن المسّ أو السحر.

• تحفيز الشعور بالراحة النفسية وتقليل التوتر.

بالإضافة إلى ذلك، ورد في القرآن الكريم قوله تعالى:

«وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ» (سورة ص: 44)

وهو ما يدل على أهمية العلاج بالأسباب، سواءً كان ذلك عبر تناول الأعشاب النافعة أو استخدام الوسائل المادية المساعدة للعلاج، كاستخدام حزمة من السدر والأثل أو أغصان الزيتون ومسح الجسد به بضربات خفيفة، إلى جانب الرقية الشرعية.

أحد أهم الجوانب المهملة في الرقية التقليدية هو العناية بالجوانب النفسية والعاطفية للمصاب. وكما هو معلوم، فإن الشيطان يستغل الصدمات النفسية والعُقَد القديمة لتضخيم الوساوس وإضعاف الإنسان من الداخل. وهنا يأتي دور العلاج السلوكي الإيحائي، والذي يساعد في:

1. تحرير العقل من التأثيرات السلبية التي يسببها المسّ والسحر.

2. إعادة برمجة التفكير بحيث يصبح الإنسان أقوى نفسياً وأكثر ثقة بنفسه.

3. مواجهة المخاوف والتجارب الصعبة من خلال أساليب علاجية مثل التأمل والاسترخاء، والأفضل هنا صوم زكريا ومريم، عليهما السلام عن الكلام مدة ثلاثة أيام، والاكتفاء بذكر الله في هذه الأيام لتصفية العقل والنفس، وإعادة برمجة العقل ليعود لفطرته السليمة التي شوهت.

إن تطوير الرقية الشرعية لا يعني تغيير جوهرها، بل توسيع نطاقها لتشمل جميع الجوانب التي تساعد الإنسان على التعافي الكامل. فالعلاج يجب أن يكون شاملاً، يجمع بين:

• القراءة على المريض بالأذكار والآيات المناسبة.

• اتباع نظام صحي يشمل: الصيام عن الكلام والأكل، والتغذية السليمة.

• استخدام الماء البارد والأعشاب المفيدة.

• دعم الصحة النفسية والعلاج السلوكي للتخلص من الوساوس والصدمات.

بهذا النهج المتكامل، يمكن للإنسان أن يتعافى جسدياً ونفسياً وروحياً، مما يجعله أقوى في مواجهة أي اعتداء روحي أو تأثير سلبي قد يتعرض له.

[email protected]


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد