إيلاف من لندن: لا شيء يضاهي لحظة دخول عالم مصمم بعناية ليأسر الحواس، وهذا تحديدًا ما صنعته "مملكة النور المغربية" في أسبوع الموضة بلندن 2025. في مقر مجلس الأزياء البريطاني بـ 180 ستراند، تجسّدت رؤية فنية مبهرة، مزجت بين الأصالة المغربية والابتكار المعاصر، لتؤكد أن الموضة ليست مجرد صناعة، بل لغة تتجاوز الحدود والثقافات.
بدعوة من شركة Purple للعلاقات العامة، شهدت هذه التظاهرة الأنيقة حضور نخبة من عشاق الموضة، والمصممين، والمشاهير، والدبلوماسيين الذين وجدوا أنفسهم في قلب عرض أزياء مختلف عن أي تجربة أخرى. فمنذ اللحظة الأولى، أُحيط الحضور بسحر المغرب، حيث تمازجت رائحة الشاي المغربي التقليدي مع أصوات الطبول الحية، بينما أضفت الإضاءة الدافئة بعدًا دراميًا يعكس الروح الفنية للحدث.
لكن ما الذي يجعل الموضة المغربية تتجاوز حدود القماش والإبرة؟ لماذا تأسر التصاميم المغربية كبار مصممي العالم وتأخذ مكانها في دور الأزياء الكبرى؟ الإجابة كانت في تفاصيل هذا العرض الاستثنائي، الذي قدّمه اثنان من المصممين أصحاب الرؤى الفريدة، واللذان استطاعا ترجمة هوية المغرب من خلال تصميمات تنبض بالحياة.
ريبيكا ريوفريو والمصممة سارة الشرايبي
سارة الشرايبي: من هندسة العمارات إلى الموضة
كل من يعرف سارة الشرايبي يدرك أنها ليست مجرد مصممة أزياء، بل هي مهندسة معمارية تحمل خبرة واسعة في تصميم المساحات والهياكل، مما أضفى على تصاميمها طابعًا هندسيًا فريدًا.
في مجموعتها الراقية "ذا هيفنز"، لم تكتفِ بطرح أزياء جميلة، بل قدمت درسًا في الحرفية الفنية والتوازن الدقيق بين الشكل والوظيفة.
التطريزات اليدوية المعقدة، الأقمشة الفاخرة، والتفاصيل المتقنة، كلها عناصر تداخلت بانسيابية مع التأثيرات الشمال أفريقية والمتوسطية، لتخلق تصاميم تحاكي روعة الفنون المغربية. جسدت الشرايبي في مجموعتها روح التقاليد والحداثة، فبينما بدت بعض القطع كأنها خرجت من قصر ملكي في مراكش، جاءت أخرى بلمسة معاصرة تناسب امرأة اليوم.
هل يمكن للهندسة أن تتحول إلى موضة؟ في تصاميم الشرايبي، الجواب هو نعم! فقد استطاعت تحويل الخطوط والزوايا إلى فساتين تحتفي بجمال الحركة، تمامًا كما تفعل المباني العريقة في المدن المغربية.
دار آرتك: رحلة وجدانية في قلب الشتات المغربي
أما الجانب العاطفي العميق للموضة، فقد كان حاضرًا بقوة في مجموعة "COMING HOME" من تصميم أرتسي إفراخ، مؤسس دار آرتك (maisonartc) في مراكش. هذه المجموعة لم تكن مجرد أزياء، بل كانت قصة تروى عبر القماش، تحكي عن تجارب الشتات المغربي، وتجمع بين الحنين إلى الماضي والانفتاح على المستقبل.
الحرير المطرّز، التول المرهف، القطن المطبوع—كل خامة حملت في طياتها ذكريات، وأحاسيس، وتجارب مهاجرين حملوا المغرب في قلوبهم رغم بعدهم عنه. حتى عملية التصميم نفسها كانت مختلفة، حيث استخدمت الدار أقمشة معاد تدويرها، مستخرجة من قطع قديمة تم تجديدها وإعادة إحيائها، مما أعطى كل قطعة هوية فريدة لا تتكرر.
في لحظة من العرض، بدت إحدى العارضات وكأنها تسير عبر الزمن، ترتدي فستانًا يروي قصص الأجيال، يدمج بين ذكريات الأزقة المراكشية الصاخبة وأفق لندن المليء بالحداثة. كانت تلك اللحظة بمثابة رسالة قوية: الموضة ليست مجرد ملابس، بل هي ذاكرة، وحكاية، ووسيلة لإحياء الجذور.
نجوم ودبلوماسيون بأناقة مغربية
لم يكن هذا الحدث مجرد عرض أزياء، بل كان تجمعًا للنخبة الذين يعرفون قيمة الحرفية والفن. بين الحضور، لفتت الأنظار:
عارضة الأزياء الشهيرة أدوت غاك، التي أبهرت الجميع بإطلالة مستوحاة من القفطان المغربي الأنيق.
المصمم البريطاني جاسبر كونران (OBE)، الذي أبدى إعجابه بالتفاصيل الحرفية المتقنة في التصاميم.
هاميش بولز من مجلة فوغ، الذي وصف العرض بأنه "احتفاء بالثقافة والفن في أسمى أشكالهما".
الرياضية آني تاغو، التي تألقت بفستان برتقالي ومعطف من الفرو المغربي الفاخر.
السفير البريطاني في المغرب حكيم حجوي، الذي حضر برفقة نخبة من الشخصيات، ليؤكد أن المغرب ليس فقط قوة في عالم السياحة، بل أيضًا في عالم الموضة العالمية.
أما السيدة فيكتوريا هيرفي، فقد استعرضت إطلالة مبهرة أمام خلفية نابضة بالحياة، تعكس روح الحدث الذي احتفى بكل تفصيلة من الإرث المغربي الراقي.
المغرب.. الوجهة الأولى عالميًا في الموضة والسفر
بعيدًا عن الأزياء، يواصل المغرب ترسيخ مكانته كوجهة عالمية، حيث أظهرت الإحصائيات الأخيرة أنه تجاوز إسبانيا كإحدى أهم الوجهات السياحية في العالم. لكن كما أكد أسبوع الموضة في لندن، فإن تأثير المغرب لم يعد يقتصر فقط على السياحة، بل امتد ليصبح علامة فارقة في عالم الموضة والفن.
لم يكن عرض "مملكة النور" مجرد عرض أزياء، بل كان احتفاءً بهوية تتجاوز الزمن.
هنا، لم يكن الإبداع حكرًا على الأقمشة أو القصّات، بل كان في رواية القصص، في استحضار الحنين، في دمج التقاليد مع الجرأة، وفي تقديم المغرب للعالم من زاوية لم نرها من قبل.
عندما أُطفئت الأضواء، وعاد الحضور إلى عالمهم، كان هناك إحساس واضح بين الجميع: هذا لم يكن مجرد عرض موضة.. كان تجربة غيّرت نظرتنا للأزياء، وللثقافة، وللجمال نفسه.