إيلاف من واشنطن: في مراسم تأبين مؤثرة احتضنتها كنيسة القديس ألبان في واشنطن العاصمة، أشاد بيل بيرنز، المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية (CIA)، بالإرث الدبلوماسي العميق لريتشارد مورفي، أحد أبرز وجوه الدبلوماسية الأميركية في الشرق الأوسط.
الحفل، الذي شهد حضور عدد كبير من السفراء الأميركيين في المنطقة العربية، جاء ليحتفي بمسيرة رجل كرّس حياته للخدمة العامة بحنكة وخبرة قلّ نظيرها.
في كلمته التي أتاحها حصريًا لـ "إيلاف"، استذكر بيرنز سنوات عمله الأولى إلى جانب مورفي، واصفًا إياه بأنه كان التجسيد الحقيقي للخبرة والمهنية والإنسانية. "كان لي شرف البدء مع الأفضل،" قال بيرنز، مستعيدًا تجربة العمل كمساعد لمورفي في مكتب شؤون الشرق الأدنى وجنوب آسيا، حيث تعلّم منه فنون الدبلوماسية في واحدة من أكثر الإدارات تحديًا في الخارجية الأميركية.
حكمة نادرة وبصيرة ثاقبة
مورفي، الذي تعلّم العربية بطلاقة، لم يكن مجرد دبلوماسي يجيد لغة المنطقة، بل كان يفهم تعقيداتها القبلية والتاريخية بعمق نادر. من بيروت إلى دمشق وعمّان، تنقّل في قلب العواصف السياسية، متحليًا بقدرة استثنائية على فهم الشخصيات التي شكلت المشهد الإقليمي.
تحدث بيرنز عن لقاءات مورفي مع زعماء الشرق الأوسط، من الرئيس السوري حافظ الأسد إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي إسحق شامير، مرورًا بوزير الخارجية العراقي طارق عزيز والسفير السعودي الأمير بندر بن سلطان، حيث أظهر دائمًا قدرة مذهلة على بناء الثقة رغم الخلافات العميقة.
مهنية راسخة في حل النزاعات
إحدى أبرز المحطات في مسيرة مورفي كانت دوره في التوصل إلى اتفاق الطائف، الذي أنهى حرب لبنان الأهلية بعد خمسة عشر عامًا من الصراع. برحلاته المكوكية عبر طائرته الصغيرة المتهالكة، تمكّن من إضعاف مواقف المتشددين ودفعهم نحو التسوية. "لم يكن مورفي مجرد مراقب للمشاكل، بل كان يسعى لحلها أو على الأقل جعلها قابلة للإدارة،" قال بيرنز.
إنسانية عززت القيادة
لم يكن مورفي دبلوماسيًا صارمًا فحسب، بل كان قائدًا إنسانيًا يهتم بزملائه، خاصة الشباب منهم. تذكر بيرنز كيف كان مورفي يخصص وقتًا لتوجيهه، حتى في اللحظات الحرجة. "علّمنا أن الدبلوماسية ليست فقط نصوصًا تفاوضية، بل تتعلق بالبشر، بمعاناتهم وطموحاتهم وآمالهم". هذه الإنسانية انعكست في قيادته للسفارات والمكاتب التي أدارها، حيث كان يُعامل الجميع باحترام، ويخلق بيئة عمل مشجعة.
إرث لا يُمحى
مع تزايد التحديات التي تواجه الخدمة العامة اليوم، شدّد بيرنز على أهمية المثال الذي مثّله مورفي. "في عالم يُستهزأ فيه بالخبرة، وتُنتقد فيه المهنية، تبقى إنسانية مورفي ونزاهته نموذجًا يُحتذى به". وأضاف: "كان مورفي تجسيدًا لأفضل ما في الدبلوماسية الأمريكية: رجل متفانٍ، ذو مهارة نادرة، وروح قيادية حقيقية".
تعبر إيلاف عن امتنانها العميق لكاتي مورفي ماكلينتيك، ابنة الراحل، التي أظهرت كرمًا كبيرًا في مشاركة إرث والدها الذي نقله بيرنز بكلمات صادقة ولمسة وفاء لرجل ترك بصمة لا تُمحى في تاريخ الدبلوماسية الأميركية، وسيبقى إرثه مصدر إلهام للأجيال القادمة.