تابعت باهتمام مادة تلفزيونية عرضتها فضائية BBC صباح يوم الجمعة الثاني من شهر آب (أغسطس) الجاري، والتي أبرزت مدى قوة مجموعة "بريكس" الاقتصادية المذهلة وقدرتها على قيادة العالم. كما لفت انتباهي اللقاء الشيق للدكتور ماجد التركي، رئيس مركز الإعلام والدراسات العربية – الروسية، مع إحدى القنوات الفضائية حول مشاركة المملكة في اجتماعات المجموعة.
وخلصت من حديثه إلى مدى أهمية الاقتراح المطروح بانضمام المملكة إلى "بنك بريكس"، وهو الكيان المقابل لصندوق النقد الدولي وظيفياً، فالقيمة الاقتصادية لهذه المجموعة تكمن في كونها تمثل 50 بالمئة من ديموغرافية العالم، كما تتجاوز الناتج المحلي لمجموعة السبع الصناعية. ترجع أهمية اجتماعات المجموعة إلى تجاوز الإشكاليات السياسية الدولية، والتي هي في عمقها اقتصادية، فالقوة الاقتصادية الحقيقية المساندة لـ"بريكس" هي مجموعة منظمة شنغهاي، الفاعلة اقتصادياً وسياسياً، والتي تترأسها كل من روسيا والصين والهند.
وفي تقديره ورأيه الشخصي، فإن انضمام المملكة إلى بريكس لترابط المصالح الاستراتيجية غير المباشرة، أما المصالح المباشرة فتتمثل في أنها ستكون متنفساً للاقتصاد السعودي، لكون التعاون بين الشركات السعودية والروسية شهد نوعاً من التباطؤ، بسبب العقوبات المفروضة على روسيا عقب الحرب في أوكرانيا. كما أن الاستثمارات المتبادلة بين روسيا وبعض الدول تواجه معوقات مالية بسبب تلك العقوبات الغربية على موسكو. من هنا، ترجع أهمية "بريكس" لكونها خارج نظام "سويفت"، إذ لهذه المجموعة نظام مالي واقتصادي متكامل خاص بها، من حيث التداول والتحويل بعيداً عن هذا النظام، وهذا يمكن الشركات السعودية والروسية وغيرها من التحرك في هذا الفضاء المالي الرحب بكل سلاسة ويسر وسهولة.
في المقابل، يعاني الاقتصاد الأميركي عقب جائحة فيروس كورونا والحرب في أوكرانيا، جراء تنامي الدين العام، الذي تجاوز 31.5 تريليون دولار، والعجز عن سداد الدين. فأزمة سداد الدين ستنعكس على المؤسسات المالية والبنكية الحكومية، مما يؤدي إلى حدوث انهيارات متسارعة. كما أن رفع سقف الدين بمثابة حل مؤقت ومسكن متوسط المفعول، سيؤدي إلى تقليل الألم دون معالجة المرض، بمعنى أنه سيعمق من إشكالية الاقتصاد الأميركي في الميزانية والالتزامات المالية.
وهنا طُرح تساؤل مهم وهو أنه بالرغم من كل هذه الأزمات المالية التي تعاني منها الولايات المتحدة، لماذا تغافلت مؤسسة كبيرة مثل "موديز" عن إصدار تصنيف مالي يكشف مدى تأثر الاقتصاد الأمريكي من أزمة عجز سداد الدين، مثلما تفعل هذه المؤسسة مع العديد من الدول التي تأثرت مالياً!
كما أن هناك تساؤلاً آخر يتمثل في هل مجموعة "بريكس" قادرة على ضم دول أخرى مثل مصر وتركيا إليها؟
حقيقة أن المجموعة لا تزال في طور الازدهار، بمعنى أن أي عمليات ضم لدول جديدة ستكون بمثابة عبء على كاهلها، خاصة في الفترة الراهنة، كما أن التسرع في ضم دول جديدة سيكون غير موفق في تقديره الشخصي، لكون "بنك بريكس" لا يزال في المرحلة التأسيسية.
كما أن ضم الإمارات - وهو أمر تم طرحه - إلا أن انضمامها سيكون عبئاً رغم أن لديها قدرة مالية، لكن لديها ارتباط مالي قانوني لا يزال مع دول الغرب، عكس المملكة التي استقلت في العديد من قراراتها الاقتصادية، لذا من المهم أن تكون خطوات "بريكس" متباطئة في انضمام الدول.
ويعتقد أنه إذا أصبحت "بريكس" تعتمد على مجموعة من الدول الفاعلة مالياً وإنتاجياً، ولديها سوق فاعل، ستستطيع الوصول بكل سهولة إلى السوق الأفريقية، في المقابل بدأ الاقتصاد الأوروبي يتسارع في الانكشاف، بسبب الخلاف بين أوروبا وأفريقيا، بسبب إحجام العديد من الدول الأفريقية عن توريد المواد الخام لأوروبا.
وفي الختام، أتوقع جازماً أن كثيراً من المخططين الاستراتيجيين حقاً يرون أن "بريكس" هي الوجهة الاقتصادية العالمية القادمة، والولايات المتحدة تدرك ذلك، لا سيما أن المجموعة بدأت في إصدار عملة رقمية "دولار" لمواجهة الدولار الأمريكي من ناحية، ومواجهة العملات الرقمية من جهة أخرى. فالخوف الذي يراود الولايات المتحدة من أن تسحب "بريكس" البساط من تحت قدميها، ويتحول المخزون الدولاري للعديد من دول العالم إلى قيمة متدنية، لا سيما أن دول هذه المجموعة يكون التبادل التجاري بينها بالعملة المحلية.
والمؤكد أن هناك قبولاً لدى العديد من دول "بريكس" بانضمام المملكة كعضو فاعل داخل المجموعة لتأثيرها الاقتصادي والسياسي في منطقة الشرق الأوسط، كما أن المملكة ترى أن "بريكس" قادرة على مواجهة العديد من المشاكل في العالم مثل قضية الفقر التي استفحلت بسبب الأزمة في أوكرانيا.
كما أن "بريكس" قادرة على التغلب على ما يظهره الغرب من تعال اقتصادي على الدول النامية، من منطلق أن الاقتصاد الغربي هو الخيار الوحيد للتنمية في العالم، وهي فكرة آخذه في التلاشي مع تنامي القدرات الاقتصادية للمجموعة، والله أعلم.
وفي الأخير، استشهد بتصريحات وزير الخارجية الهندي سوبراهمانيام جايشانكار، التي نقلها أحد ضيوف الإعلامي بهيئة الإذاعة البريطانية BBC حمدان جرجاوي، أحد جهابذة الإعلام العالمي، وهي تتفق مع رؤيتي حول تطلعات وقدرات مجموعة "بريكس"، حيث علق قائلاً: "نحن رمز للتغيير في عالم متعدد الأقطاب"، إذ اختصر أهداف المجموعة في ست كلمات فقط، والله أعلم.