لم يمر اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية دون أن ينعكس بتداعياته على المشهد الإقليمي أولاً، والمشهد الداخلي للحركة ثانياً. بينما تترقب دول العالم قدرة إيران وأدوات محورها في المنطقة على تنفيذ تهديداتها التي ملأت شاشات الفضائيات وبكل اللغات حول طبيعة الرد وسبل الانتقام من الكيان الإسرائيلي الذي نفذ عملية نوعية استخباراتية دقيقة في قلب العاصمة طهران، وفي يوم تنصيب رئيسها الجديد الذي لم يتوقع، وهو يقرأ خطاب التنصيب في مبنى البرلمان الإيراني ويتوعد إسرائيل بشعارات نظام الملالي المستهلكة، أن يكون الرد الإسرائيلي سريعاً إلى هذه الدرجة.
الردّ الإيراني من عدمه يحتاج إلى وقت قبل التحليل السياسي وتناوله في سلسلة مقالات، فالحسابات الإيرانية معقدة؛ إن ردت طهران وقامت بتوجيه ضربات عسكرية للكيان الإسرائيلي عبر صواريخ وطائرات مسيرة سيكون الرد في سياق حفظ ماء الوجه، بعد أن نال التصعيد العسكري المستمر خلال الشهور العشرة الأخيرة من قدرات أدوات محورها التنظيمية والتسليحية. لكن، في المقابل، إن قرر النظام الإيراني الاحتفاظ بحق الرد ولم يبادر بتوجيه ضربة نوعية حقيقية لدولة الاحتلال، فسيكون ذلك من باب عدم الانجرار إلى الحرب، حماية لمشروعه النووي الذي اقترب من كامل الجاهزية لإنتاج سلاح نووي.
الحقيقة، منذ السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، استغلت إيران حرب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، بل وألهت إسرائيل أيضاً بجبهة جنوب لبنان كي تكون كما سميت "جبهة إسناد"، لرفع وتيرة العمل بمشروعها النووي واستكماله كإنجاز قام في المحصلة على أشلاء وجثث شعوب المنطقة.
وبعيداً عن حسابات طهران المعقدة في الرد على سلسلة الاغتيالات الأخيرة في طهران أو الضاحية الجنوبية في بيروت، والتي أسهم في تعقيدها بالمقام الأول بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه، فإنَّ تداعيات اغتيال هنية ستلقي بظلالها على المشهد الداخلي لحركة حماس. فالحركة التي اغتيل جل قياداتها منذ بدء الحرب على القطاع، تواجه اليوم أزمة تنظيمية تنذر بخلق موجات انشقاق بداخلها.
الهدف الإسرائيلي الرئيسي المعلن من الحرب على غزة هو إنهاء حركة حماس، فبعد عشرة أشهر، قطعت إسرائيل الطريق أمام الحركة للحيلولة دون إمكانية إعادة تنظيم صفوفها في القطاع باغتيال هنية، الوحيد القادر على إعادة لملمة عناصر الحركة وأجنحتها المتعددة في غزة بعد الخسائر التي تكبدتها طوال شهور الحرب.
إقرأ أيضاً: نتنياهو الراقص على حبال الحرب والسياسة
أزمة حماس اليوم في القطاع، أزمة عسكرية وتنظيمية، تضع الحركة أمام واقع يصعب ترميمه، بسبب فقدان شخصية جامعة تنظيمياً في الحركة، وافتقار أعضاء المكتب السياسي الحالي إلى مفاتيح التعامل مع قيادات وعناصر الحركة، خاصة أن الكثير منهم انفضوا من حول يحيى السنوار بسبب مغامرته العسكرية التي أهلكت القطاع والعباد.
إنَّ أغلب أعضاء المكتب السياسي الحالي لحركة حماس لم تطأ أقدامهم أرض فلسطين، وهو ما يطرح أمامنا تساؤلاً: هل يقبل يحيى السنوار الطامح إلى تولي رئاسة المكتب السياسي لحركة حماس بالبدائل المطروحة، والتي أصبحت تشاع بتولي رئاسة المكتب خلفاً لإسماعيل هنية؟ خاصة وأن طموح السنوار سيصطدم بمحاولة تركية جادة لإعادة خالد مشعل إلى واجهة الحركة وكرسي رئاستها، في مساع حثيثة لإنقاذ ما تبقى من الحركة وتحويلها إلى حزب سياسي ضمن صفقة إقليمية قادمة لا محالة.
إقرأ أيضاً: تهديد إيراني عبر الحوثي باستهداف السعودية
وهو ما يطرح أمامنا تساؤلاً آخر: هل ستقبل إيران أن تستحوذ "تركيا أردوغان" على حماس دون أن تبقي ورقة نفوذ لها على الساحة الفلسطينية؟
عودة مشعل وطموح السنوار يؤكدان أن الانشقاق داخل الحركة أصبح واقعاً لا مفر منه، والأيام القادمة ستوضح أن هدف إسرائيل من اغتيال هنية هو زرع بذور الانشقاق داخل حماس، بين ما ترغب فيه تركيا، وتريده إيران، وتسعى إليه إسرائيل.