أعلن الإطار التنسيقي (مجموعة الأحزاب والتيارات الشيعية المشاركة بالسلطة)، عن دعمه لتعديل قانون الأحوال الشخصية، ودعا مجلس النواب إلى المضي في القراءة الأولى للقانون، وأشار البيان إلى أن "مشروع القانون ينظم أموراً تتعلق بالأمور الخاصة بكل مذهب أو دين، ولا يلغي القانون النافذ".
السؤال الذي يتبادر لذهن المتلقي، لماذا يُشرع القانون، أي قانون كان، أليس لخدمة الغالبية من الشعب وبما يحقق وحدة الشعب، ويخفف المظالم التي وقعت عليه جراء الظروف التي سبقت تشريع القانون، ودفعت السلطات لتشريعه!؟
قانون الأحوال المدنية رقم 188 لسنة 1959، جاء لإيقاف جملة من المظالم والحيف الذي عانت منه المرأة العراقية قبل تشريع القانون، ولم يتبن أي من المكونات المذهبية أو الدينية، ويستطيع المواطن الطلب من المحكمة أن يكون عقد القران وفق المذهب الجعفري أو الحنفي أو ما يشاء بحسب مذهبه.
يقول بيان الإطار التنسيقي إن مشروع تعديل القانون لا يلغي القانون النافذ؛ طبعاً هذا كلام غير دقيق، لأنَّ التعديل يشتمل على المادة الثانية من القانون، والفقرة الخامسة من المادة العاشرة، وفي هاتين المادتين جوهر وروح القانون ومواده التي تحمي المرأة، لأنهما تشتملان على: يمنع عقد الزواج خارج المحكمة، ومن يخالف يتعرض للعقوبة المذكورة في القانون، بينما التعديل يذهب إلى حق الزواج خارج المحكمة، وعلى المحكمة تصديقه دون مساءلة!؟
كذلك تشتمل الفقرة 5 من المادة العاشرة، على المواد القانونية التي تفصل علاقة الزواج والطلاق والميراث والتبني وجميع ما يتعلق بالأمور الشخصية والزواج والطلاق والنفقة التي ثبتها القانون المدني العراقي في المواد من 19 إلى 24، واستبدالها بمدونة توضع من قبل فقهاء شيعة وسنة وكل حسب مذهبه!؟
لا نريد الحديث بتفاصيل الفقه وارتباطه باللحظة التاريخية الراهنة ومظاهر الاختلاف والتشاحن الطائفي، ولا حقوق المرأة التي سوف تهدر وتستباح في حال مُرِّر التعديل على القانون، لكن أتساءل أليس قانون جامعاً وموحداً للعراقيين أفضل من حالة الانطواء والتجزئة والتفرقة في تفاصيل وقوانين فرعية داخل قانون الأحوال المدنية لأبناء الوطن الواحد؟
لماذا تريدون تعميق التجزئة والاستقطاب الطائفي، بينما تتركون قضايا مهمة وأساسية في الحياة العراقية دون تشريعات لائقة؟
القانون المزمع تشريعه محط انقسام مجتمعي واسع وعميق، بل محط رفض من الكرد والسنّة ونسبة كبيرة من الشيعة، لأنه قانون يعيد الحياة العراقية إلى ما كانت عليه ظروف المرأة قبل مئة عام!
العقل السياسي الرشيد ينبغي أن يشتغل على تشريع قوانين تعمل على تقوية الروابط بين أبناء الوطن الواحد، وليس بمنطق الغلبة والاستفراد، أو إرضاء شرائح محددة من المجتمع الطائفي أو المذهبي أو دعاة الإسلام السياسي، لا سيما ونحن نتحدث عن ظروف دولة مدنية، ديمقراطية، تعددية كما يقول الدستور العراقي الدائم.
وإذا أخذنا بمبدأ الفقه الإسلامي، فإنه يؤكد مبدأ "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح"، وطالما أن قانون إطلاق حرية الزواج للرجل خارج المحكمة، سيكون على حساب حقوق وكرامة المرأة، فإن المفاسد والمظالم مقبلة على المرأة العراقية لا محال.
إن واقع حال وظروف الشيعة في مدن الوسط والجنوب تشكو نقصاً فادحاً في الخدمات، وتعاني ارتفاع نسبة الفقر بين 30-50 بالمئة، وكذلك الأمراض والأوبئة والبطالة، إضافة إلى انتشار المخدرات والجريمة والخلافات العشائرية اليومية وما ينتج عنها من قتول ومآسي، وهي قطاعات مليونية من الشعب الذي ينتظر تشريعات ترفع عنه هذه المظالم المعيشية والوجودية، وهي تبحث عن حلول لواقعها المرير والمأزوم، وليس قانوناً يرضي نزوات الرجل بالزواج والطلاق والميراث وغيرها من أفكار أكل عليها الدهر، وماتت مع الأزمنة الغابرة، واضمحلت المطالبة بها مع شروط الحياة المدنية وحقوق المرأة.
إنَّ الإصرار على تشريع قانون الأحوال الشخصية بهدف إرضاء بعض النخب من رجال الدين، سيترك آثاراً وخيمة على سمعة العراق في المحافل الدولية، خصوصاً أن هذا التعديل يتعارض مع لوائح حقوق المرأة والمعاهدات الدولية التي وقع عليها العراق، كما سيظهر العراق بكونه دولة راديكالية استبدادية وتشريعاته تخضع لسلطة الجماعات الثيوقراطية، وليس لمصالح العامة من الشعب، وإذا كان الأمر ملحاً كما يعتقد السادة في الإطار التنسيقي، فأخضعوا مشروع التعديل للاستفتاء الشعبي، لأن هكذا خطوة تنهي أو تخفف فكرة الانقسام المجتمعي.