: آخر تحديث

أول رمضان سوري دون حكم البعث والأسد

7
8
5

عندما اندلعت الثورة السورية في آذار (مارس) 2011، كان كثيرون منا يؤكدون في قراراتهم أنَّ أيام النظام معدودة، وأن سقوطه بات وشيكاً. قلنا آنذاك: قبل رمضان، وعندما بدأ الشهر الكريم، قلنا: سيكون العيد عيدين - عيد الفطر وعيد الحرية، بعد سقوط النظام المجرم.

لكنّ العيد تأخر.

تأخر العيد كثيراً.

مرّت رمضانات كثيرة، وكانت الشوارع التي اعتادت استقبال الفوانيس وموائد الإفطار الجماعية، تتحول إلى مساحات للدم والخراب. لم تكن هناك "زينة رمضان"، بل كانت هناك صرخات الأمهات، وأصوات المدافع، ورائحة الموت في كل زاوية.

رمضان لم يعد كريماً بين يدي الطاغية وشبيحته وبعثه، كان شاهداً على القصف، والاعتقال، والتهجير، والجوع. كان صائماً عن الفرح، مفطراً على الأحزان، يراقب السوريين وهم يسقطون ضحايا لآلة القتل التي لم ترحم شيخاً ولا طفلاً.

لم يراع النظام أي اعتبارٍ للدين، ولا للأخلاق. كان يقتل الصائمين، يحاصرهم، يسجنهم، يكبّس أجسادهم في المعتقلات والسجون و الزنازين، ينتهك الأعراض، ويحوّل أيامهم ولياليهم إلى فصول من الجحيم. لم يكن هناك مكان للرحمة، كان رمضان في سجون الأسد شهراً للجوع والقهر، حيث تُمنع الصلاة، وتُهدر الكرامة، وتُبنى جدران اليأس بين المعتقلين وأحلامهم بالحرية.

كان هناك من لا يزال يصوم أنى عرف بأن رمضان قد حل!

كان العوام يقولون: لا عيد إلا بسقوط النظام.

واليوم، بعد أكثر من عقد ونيف، ها هو أول رمضان يمر دون حكم البعث والأسد. قد لا يكون الفرح كاملاً، وقد لا يكون الوطن قد تعافى بعد، لكن شيئاً ما قد تغيّر - ظل ثقيل أُزيح، وعصر مظلم طُويت صفحته، وإن بقيت جراحه مفتوحة.

في سنوات النظام، كان رمضان شهر المجازر، شهر البراميل المتفجرة، شهر القصف العشوائي، شهر التهجير الجماعي. كم مرة استيقظ السوريون في لياليه على دويّ الطائرات الحربية، بدلاً من صوت المسحراتي؟ كم مرة كانوا يفطرون على نبأ مذبحة جديدة؟ كم مرة وقف الآباء عاجزين أمام أطفالهم الجوعى تحت الحصار، لأن "الأسد أو نحرق البلد" لم تكن شعاراً فقط، بل كانت منهجاً يومياً؟

كم صائماً ذبح؟ كم صائمة انتهك عرضها واغتصبت؟ كم مسحراتياً قتل برصاص القناصة؟ كم مسجداً تهدم فوق رؤوس المصلين؟

كان رمضان الأسد شهراً تُمنع فيه أصوات الأذان لتعلو بدلاً منها مكبرات الصوت بتمجيد الطاغية. وكان عيده مناسبة للمزيد من الاعتقالات والمداهمات والإعدامات الميدانية. لم يكن عيداً للصائمين، بل كان عيداً للجلادين الذين يحتفلون بانتصاراتهم على الجثث، ويفرشون موائدهم على أنقاض البيوت المدمرة.

علينا كسوريين ألا نقبل بتكرار فصل آخر من المجزرة ونحتكم إلى كلمة سواء أنى أمكن.

أجل. ها هو رمضان آخر بعد أربعة عشر رمضاناً مدمى جريحاً مشرداً مهجراً يحل. رمضان مختلف. ليس رمضان الخوف والرعب، وليس رمضان "أين أولادي؟"، "أين أبوهم؟"، "أين أمهم؟"، "أين أين وأين وأين سوريا والسوريون؟"؛ رمضان آخر هو ليس رمضان المجازر والبراميل المتفجرة. إنه رمضان بلا بعث، بلا طغيان، بلا صورة الدكتاتور تهيمن على الجدران والشاشات.

قد لا يكون العيد عيدين بعد، وبعد كل ما حل يسوريا والسوريين، لكنّه العيد الأول الذي يمكن أن يُسمّى عيداً منذ أكثر من عقد. ونيف. عقد ونصف العقد!

قد لا تكون سوريا استعادت وجهها الحقيقي بعد، لكنها لم تعد سجينة حكم الدم والحديد، ولاتزال نوافذ الأمل مفتوحة إن أحسنت قيادة البلاد وأبعد أولو الأمر الجدد كل متعطش للدم مأجور ومأفون عن سدة الحكم لئلا ترتكب مجازر أخرى، على الهوية: طائفية كانت أم قومية أم رؤيوية؟

قد لا يكون الطريق إلى الحرية كاملاً، لكنه بات أكثر وضوحاً من أي وقتٍ مضى.

هذا رمضان الأمل.

هذا رمضان سوريا الجديدة.

فهل ثمة من يترجم أحلامنا.

ها نحن نقولها ولا ضير من أية مغبة أو مصير شخصي:

هذا شأن أصحاب الضمير والموقف، فلنكن ككتاب كذلك!


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف