: آخر تحديث

أبخازيا تصوت للتحالف مع روسيا على حساب تركيا والاتحاد الأوروبي

7
8
5

أفضت نتائج الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية في جمهورية أبخازيا، إلى فوز حليف موسكو، والقائم بأعمال رئيس الجمهورية، بادرا جونبا، الذي حصل على 55 بالمئة من أصوات الناخبين، متقدماً على زعيم المعارضة، أدجور أردزينبا، الذي يحظى بدعم من أنقرة وبروكسل، وحصل على 42 بالمئة من الأصوات.

يؤكد هذا المنحى التصويتي للمواطنين الأبخازيين ما ذهبت إليه بعض الإحصائيات واستطلاعات الرأي لمؤسسات موثوقة، والتي بينت أن أكثر من 90 بالمئة من الناخبين الأبخاز لديهم موقف إيجابي من روسيا، ويميلون لتوثيق عرى التحالف معها.

وكان جونبا، الرئيس المنتخب، قد تولى منصب نائب رئيس الجمهورية عام 2020. وعقب الاحتجاجات الشعبية في تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، والتي تخللها استيلاء المحتجين على عدد من المقرات الحكومية، استقال الرئيس أصلان بجانيا لتهدئة الاحتجاجات، وجرى تسمية جونبا ليكون القائم بأعمال الرئيس في فترة انتقالية استمرت ثلاثة أشهر.

وأبخازيا هي منطقة ساحلية على البحر الأسود، يبلغ عدد سكانها قرابة 250 ألف نسمة، انفصلت عن جورجيا عام 2008، غداة حرب شنتها الحكومة المركزية عليها لقمع شعبها والحؤول دون رغبتهم بالاستقلال التي عبروا عنها في صناديق الاقتراع. لكن تدخل موسكو العسكري الحاسم منع تبليسي من تحقيق مآربها، رغم الدعم الذي حصلت عليه الأخيرة من بروكسل وواشنطن. ومذاك لم تتوقف محاولات الاتحاد الأوروبي لبث الفتن والنزاعات في أبخازيا.

إقرأ أيضاً: روسيا تسجل نمواً يفوق أميركا والاقتصاد العالمي

إلا أنَّ العامل الذي كان له الدور الأبرز في تحريك الاحتجاجات الشعبية الأخيرة هو الدور التركي. فمع أنَّ أنقرة لم تعترف رسمياً باستقلال أبخازيا، إلا أنَّ العلاقات بين البلدين تطورت بشكل ملحوظ، بالاستناد إلى وجود جالية أبخازية – شركسية في تركيا، تعد الأكبر بما لا يقاس مع باقي الجاليات الموزعة على بلدان أوروبا والشرق الأوسط، حيث يشكل الأبخاز – الشركس ثالث أقلية على مستوى تركيا، بنسبة تقارب 2.5 بالمئة من سكان البلاد، ولهم حضورهم وتأثيرهم.

وتعتمد سوخومي (عاصمة أبخازيا) على موسكو بشكل كبير اقتصادياً وسياسياً. في موازاة اعتماد الأخيرة في سياستها الخارجية على عدم التدخل في سير الانتخابات والشؤون الداخلية لجمهورية أبخازيا، انطلاقاً من مبدأ احترام إرادة السكان. وهذا ما أتاح الفرصة لأنقرة للتدخل، بدعم من بروكسل، لتأليب بعض النخب الأبخازية ضد موسكو، وصولاً الى تأسيس جبهة معارضة سياسية عملت على التحريض الممنهج ضد السلطة المنتخبة ديموقراطياً في سوخومي، واتهامها بالارتهان المبالغ فيه لصالح روسيا.

إقرأ أيضاً: أوروبا تتعنّت قبل تنصيب ترامب

ونجح هذا الأسلوب الذي وظف وسائل الإعلام، وخصوصاً الأوروبية منها، ومنصات التواصل الاجتماعي في إثارة موجة احتجاجات شعبية، على خلفية التصويت على اتفاقية الاستثمار مع روسيا في البرلمان، تخللها أعمال عنف واعتداءات على مؤسسات الدولة، بهدف تمهيد الطريق أمام إزاحة رئيس الجمهورية أصلان بجانيا، والتحضير لانتخاب زعيم المعارضة أدجور أردزينبا بدلاً عنه.

فقد تلقى الأخير دعماً مالياً من تركيا لاستخدامه في زعزعة استقرار البلاد، من خلال إثارة المواضيع الحساسة للمجتمع الأبخازي، مثل العلاقات بين الأعراق المختلفة التي تتكون منها الجمهورية، مفهوم الوطنية، والسيادة والأمن، حيث تعرضت الاتفاقية مع روسيا لتشويه ممنهج، وجرى تصويرها بأنها تخرق سيادة البلاد وتمنح الشركات الروسية هيمنة واسعة على الاقتصاد الأبخازي. بالإضافة إلى أزمات أخرى مثل انقطاع الكهرباء وارتفاع أسعار المواد الغذائية.

ومع ذلك، فإنَّ روسيا واصلت سياسة عدم التدخل التي تتبعها، لكنها حذرت سوخومي من العواقب السلبية على العلاقات الثنائية بين البلدين في حال وصول مرشح إلى السلطة لا يميل إلى التفاعل على نطاق واسع مع موسكو، ولا يحترم الروابط التاريخية والثقافية العميقة معها.

وفي هذا الإطار، يكتسب تطوير العلاقة بين موسكو وسوخومي أهمية كبرى وسيكون لها تأثيراً إيجابياً على حياة سكان أبخازيا، حيث تساهم الاستثمارات الروسية في المجالات الاقتصادية الرئيسية في خلق عشرات فرص العمل الجديدة ونمو رفاهية السكان المحليين.

إقرأ أيضاً: ترامب يستعد لتغيير النظام في أوكرانيا

ولأن موسكو تولي أهمية لتغير الأجيال في القيادة الأبخازية، فإنها تهتم بإنشاء نظم وبرامج اجتماعية ترمي إلى تشجيع الممثلين الأكثر نشاطاً بين الشباب المحلي. ولذلك تعتزم روسيا تنفيذ مشروع "فريق أبخازيا"بهدف إنتاج طبقة قادة واعدين يتولون زمام السلطة وصناعة القرار. ويندرج ذلك ضمن الاستثمار الروسي الطويل الأمد في تعزيز الاستقرار في أبخازيا، كما في جارتها أوسيتيا الجنوبية.

وهذه السياسات هي التي مكنت روسيا من تحقيق انتصار جيوسياسي جديد في أبخازيا على حساب الاتحاد الأوروبي بالذات، وبالوسائل الديموقراطية، رغم كل الحملات ضدها، يضاف إلى الانتصار الثمين الذي حققته في أوكرانيا، باعتراف إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بما يضاعف من خيبات بروكسل وإصرارها على المضي في نزالها الخاسر ليس ضد موسكو، إنما ضد حقائق التاريخ والجغرافيا.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف