هلّ علينا شهر رمضان المبارك ولدخوله احترام وفرحة خاصة لما فيه من تجديد للإيمان والأجر العظيم.
وفيه وقفات جليلة تتجلى بالنفوس من خلال النفحات الإيمانية ومراجعة الذات وله خصوصية من الصيام والقيام والنهل من معين القرآن والسنة ودروس السير مع عدم الإخلال بالالتزامات الحياتية من عمل وكسب عيش وقتال وخوض معارك خالدة.
ومن الدروس المستفادة من هذا الشهر درس عظيم وهو الصبر وبه ينال كل مطلب ويحقق كل مسعى وهو حالة من القدرة على التحمل في ظل ظروف صعبة والمثابرة في مواجهة المصاعب وتحمل المشقة للوصول إلى الهدف.
ومما يجب علينا عدم نسيانه ما حدث في يوم السبت السادس من تشرين الأول (أكتوبر) 1973 الموافق العاشر من رمضان 1393هـ حين شنت مصر وسوريا ومعهما العرب حرباً ضد إسرائيل لاستعادة أرض سيناء المصرية وهضبة الجولان السورية المحتلة قبل أن يتوقف إطلاق النار في 24 من الشهر نفسه.
وحسب التسمية العربية هي "حرب العاشر من رمضان" أو "السادس من أكتوبر" وأطلق عليها الإسرائيليون "حرب يوم كيبور" أو "عيد الغفران"، وهي رابع حرب تدور بين العرب وإسرائيل بعد حروب أعوام 1948 و1956 و1967.
وفي هذه الحرب ورغم أنَّ المقاتلين العرب كانوا صياماً فقد تحلوا بالصبر والثبات واستشعار المسؤولية وتحقيق النصر المأمول وكان لهم ذلك ويوجد في المتحف الحربي المصري بقصر الحرم بقلعة صلاح الدين بالعاصمة المصرية (القاهرة) شواهد فخر معتبرة ونماذج خالدة لإنجازات المقاتلين العرب في شهر رمضان ضد إسرائيل.
وكانت أبرز أحداث الحرب عبور الجيش المصري لشرق قناة السويس وكاد أن تقع كارثة الزوال بالقوات الإسرائيلية واستعادة الحق الفلسطيني والعربي لولا التدخل الغربي المكثف عسكرياً (عملياتياً وإمدادياً واستخبارياً وإدارة عسكرية) بل تعدى ذلك للمشاركة الميدانية المباشرة من قبل القوات الخاصة الأميركية بملابس إسرائيلية وبطائرات قتالية تم طلاؤها بلون القوات الإسرائيلية الجوية ونجمة داوود.
وأطلقت رئيسة الوزراء الإسرائيلية غولدا مائير التي كانت تستهجن وتسخر من العرب (استغاثتها الشهيرة) لأميركا التي أقامت جسراً جوياً غير مسبوق في تاريخها لصالح إسرائيل.
إقرأ أيضاً: اليمن ودماء المدنيين الرخيصة
وفي هذه الحرب لم تكن العبرة في النهاية بل امتدت العبر والدروس المستفادة من البداية حتى النهاية حتى هذا اليوم وأثبتت هذه الحرب علو كعب المقاتل العربي وشجاعته وبسالته حتى في أحلك الظروف.
وبدأت الحرب يوم السبت السادس من تشرين الأول (أكتوبر) 1973 بهجوم مفاجئ من قبل الجيش المصري والجيش السوري على القوات الإسرائيلية التي كانت مرابطة في سيناء وهضبة الجولان.
حيث تمكنت القوات المصرية من عبور قناة السويس وتدمير خط بارليف والتوغل 20 كيلومتر شرق قناة السويس وتمكنت القوات السورية من الدخول في عمق هضبة الجولان.
وأثبتت نظرية خطوط الدفاع الثابتة فشلها كما حدث لخط ماجينو الفرنسي وهو حاجز دفاعي خطي ثابت متقن في شمال شرق فرنسا تم بناؤه في ثلاثينيات القرن العشرين وتم تسميته على اسم مبتكره الرئيسي (أندريه ماجينو) الذي كان وزير حرب فرنسا في الفترة 1929-1931 وتمكن الألمان في أيار (مايو) 1940 من تجاوز الخط وأصبح بلا فائدة عسكرية تذكر.
إقرأ أيضاً: البعث العربي الاشتراكي: نهاية مأساوية
وكذلك خط بارليف في حرب العاشر من رمضان الذي تم تدميره واقتحامه من قبل الجنود المصريين في عملية عسكرية تاريخية غير مسبوقة وهو عبارة عن سلسلة من التحصينات الدفاعية التي كانت تمتد على طول الساحل الشرقي لقناة السويس.
حيث بُني خط بارليف من قبل إسرائيل بعد احتلالها لسيناء بعد حرب 1967 وكان الهدف الأساسي من بناء الخط هو تأمين الجهة الشرقية من قناة السويس ومنع عبور أي قوات مصرية إليها ولكن كسرته إرادة المقاتل المصري العربي الشجاع البطل وبلا رجعة.
وأثبتت هذه الحرب أن فرض القوة والعنف والاستبداد والاحتلال لا يمكن أن يكسر إرادة الشعوب وإن الحرب ليست حلاً لأي قضية وأدركت إسرائيل حينها أن جيشها يُقهر ويُهزم وأنها لن تنفذ أحلامها بالقوة الجبرية والهيمنة الأخلاقية والوحشية وانتهاك القانون الدولي ولن تستطيع مهما أعطيت من قوة التغلب على إرادة الشعوب العربية وكسر شوكتها والتصرف كيفما شاءت.
أسفرت حرب العاشر من رمضان عن استرداد السيادة المصرية الكاملة على قناة السويس وعودة الملاحة في القناة بدءاً من حزيران (يونيو) 1975 واسترداد مصر جميع أراضيها في شبه جزيرة سيناء واسترداد سوريا جزءاً من مرتفعات الجولان بما فيها مدينة القنيطرة وإن بالإمكان دحر إسرائيل ووقف أطماعها لولا وجود هذا الدعم الهائل من الولايات المتحدة الأميركية والقوى الغربية.
إقرأ أيضاً: دمار غزة المحزن جريمة نكراء
ومهدت هذه الحرب الطريق لعملية السلام وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل في أيلول (سبتمبر) 1978 إثر مبادرة أنور السادات في تشرين الثاني (نوفمبر) 1977 بزيارة للقدس.
وجاء السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023 ليعيد الأمل لإسرائيل بتهجير سكان قطاع غزة وضم الضفة الغربية على أساس الحرب والقيام بالاختراقات العسكرية والقصف الجوي والانتهاكات العنيفة ودخول العمق السوري وجنوب لبنان والمماطلة في تنفيذ شروط وقف إطلاق النار وعملية تبادل الأسرى وتناست أن اختيار طريق الحرب كاد أن يوقعها في كارثة بحرب السادس من تشرين الأول (أكتوبر) 1973.
وإسرائيل التي لم تتعظ من حرب العاشر من رمضان قد تجد نفسها أمام نفس مقاتلي حرب العاشر من رمضان مرة أخرى وتحدث الكارثة مرة أخرى ويبقى خيار السلام وعدم التأزيم وتخفيف الاحتقان والتوتر هو الخيار الأمثل لحل قضايا الشرق الأوسط والقضية الفلسطينية بالذات.