من يدقق في قضية الملاكمة الجزائرية إيمان خليف سوف يشعر بالحيرة والتشتت إلى حد لا يمكن تصوره، ويظل المحور الأساسي للقضية، هل تجرأت الجزائر "العربية المسلمة" على تقاليدنا وثقافتنا؟ أم انتصرت للشرف؟
هل يقف الملايين في الجزائر والغالبية في العالم العربي مع اللاعبة التي تواجه مشكلات تتعلق بأهليتها وهويتها "الجنسية" ذكر أم أنثى لأسباب تتلعق بثقتهم أنها أنثى وتستحق أن يدافع الجميع عنها؟
أم لأسباب تخص الرغبة في تحقيق مجد أولمبي والحصول على الميدالية الذهبية؟ إم إنه مجرد وقوف تلقائي ضد الغرب وصحافته وثقافته التي اتهمت إيمان والجزائر بالغش نظراً للدفع بلاعبة تملك قوة مفرطة تفوق اللاعبات الأخريات، الأمر الذي يخل بمبدأ تكافؤ الفرص في المنافسة؟
أم هي العقلية الشعبية في الجزائر (وهي وطنية في جزء كبير منها) التي تتكتل بقوة لافتة وعناد مفرط في أي قضية لها بعد جدلي يخص الجزائر؟
القضية ليست مع أو ضد، ولا تتمحور في إلزامية وحتمية الوقوف مع إيمان لمجرد أنها ابنة بلد عربي، القضية برمتها غامضة وطريقة التفاعل معها تصيب الجميع بحالة من الارتباك والتشتت، أو بالأحرى تصيب هؤلاء الذين يتناولون الأمر من منظور عقلاني حيادي أخلاقي يحترم ثقافتنا بالحيرة قبل أن ينحازوا لفرضية منطقية كانت تتمثل في عدم الدفع بها للمشاركة في الأولمبياد طالما يعلمون أن قضيتها مرشحة أن تكون "جدلية"، خاصة أن الاتحاد الدولي للملاكمة شكك في هويتها الجنسية قبل الأولمبياد.
ثقافتنا تقول إننا لا يجب أبداً أن نجعل الأنثى عرضة لأن يتحدث شخص واحد عن "هويتها الجنسية"، فما بالنا وقد أصبح العالم أجمع "دون مبالغة" يتحدث عن هوية إيمان الجنسية.
الأمر من هذه الزاوية يبعث على الشعور بالخجل بمقاييس ثقافتنا التي هي نفسها ثقافة الجزائز في نهاية المطاف، وقد يقول البعض إن الدفاع عن إيمان نابع من ثقة أهلها، وثقة الجميع في الجزائر في أنها مولودة "أنثى"، وعاشت أنثى، ولكن لهؤلاء أقول أن الاتحاد الدولي للملاكمة رفض مشاركتها في بطولة العالم من قبل لأسباب تتعلق بارتفاع نسبة الهرمونات الذكورية لديها، وأصر الاتحاد الدولي على أنها "ذكر".
فلماذا يتم الدفع بها في هذه المحرقة الإعلامية؟ ولماذا الإصرار على دعمها وكأن هؤلاء الذين يدافعون عنها على ثقة تامة من عدالة القضية؟ هل يدرك هؤلاء أن القضية قمة في الحساسية من منظور الثقافة والتقاليد العربية؟من المؤكد أنهم يعلمون.
وهل تساوي ميدالية ذهبية أن نلقى بإنسانة للجحيم؟ وهل يعلم هؤلاء أنهم في اللحظات التي يدافعون فيها عن اللاعبة هم بأنفسهم يضعون المزيد من الحطب للنار التي تلتهم سمعة اللاعبة كأنثى وإنسانة؟ فالجدل لن يجلب إلا مزيد من الجدل، وفي النهاية سوف تخسر نفسها من حجم الضغوط الهائلة المحيطة بها.
كما أن الجزائر سوف تخسر الكثير من سمعتها الرياضية، ونحن جميعاً سوف نظل نسأل.. هل يمكننا اعتبار كل ما حدث انتصار لإيمان أم اننا نلقي بها في الجحيم؟