مع تمديد عقده لعامين إضافيين مع مانشستر سيتي، يواصل المدرب الإسباني بيب غوارديولا قيادة الفريق السماوي في رحلته نحو مواصلة الهيمنة على كرة القدم الإنكليزية. لكن هذا التمديد يأتي في ظل تحديات كبيرة تواجه الفريق، أبرزها سلسلة من النتائج السلبية التي ألقت بظلالها على الموسم الجاري وأثارت تساؤلات حول قدرة السيتي على استعادة مستواه المعهود.
لأول مرة في مسيرته التدريبية الحافلة، يعاني غوارديولا من ست هزائم متتالية في جميع البطولات، وهو ما لم يسبق أن حدث منذ توليه تدريب مانشستر سيتي في عام 2016. الهزيمة الأخيرة أمام ليفربول بهدفين مقابل لا شيء، وأمام توتنهام بنتيجة 4-0، وخسارته أمام توتنهام هوتسبير في الدوري الإنكليزي الممتاز جاءت بمثابة صدمة لجماهير الفريق، خاصة أنها جاءت على ملعب الاتحاد، معقل الانتصارات المعتادة للسيتي.
تسببت هذه السلسلة السلبية في تراجع مانشستر سيتي إلى المركز الخامس في ترتيب الدوري الإنكليزي برصيد 23 نقطة، بفارق 11 نقطة عن المتصدر ليفربول. وفي دوري أبطال أوروبا، جاءت الهزيمة أمام سبورتنج لشبونة بنتيجة 1-4 لتثير تساؤلات إضافية حول مدى جاهزية الفريق للمنافسة على الألقاب الكبرى هذا الموسم.
رغم النتائج الكارثية، كان غوارديولا هادئاً في تصريحاته بعد الهزيمة الأخيرة، مشدداً على أهمية الوحدة والتماسك للخروج من الأزمة. قال المدرب الكتالوني: "لا يمكنكم إلقاء اللوم على بعضكم البعض. ابقوا معاً، واستمروا في القيام بما اعتدنا عليه. الهرب؟ بالتأكيد لا. علينا أن نقف متحدين أكثر من أي وقت مضى".
وأضاف غوارديولا: "ما يحدد شخصيتنا هو كيفية مواجهتنا للفشل. لا أعلم ماذا سيحدث هذا الموسم، ولكنني لن أفقد ثقتي في هؤلاء اللاعبين ولو لثانية واحدة".
منذ توليه قيادة مانشستر سيتي، نجح غوارديولا في بناء فريق لا مثيل له في تاريخ الكرة الإنكليزية. توج السيتي بستة ألقاب دوري إنكليزي في سبعة مواسم، بما في ذلك أربعة ألقاب متتالية، وهو إنجاز لم يحققه أي فريق آخر. كما قاد الفريق إلى تحقيق الثلاثية التاريخية في موسم 2022/2023، حيث فاز بالدوري الإنكليزي، دوري أبطال أوروبا، وكأس الاتحاد الإنكليزي.
لكن هذه النجاحات وضعت ضغطاً هائلاً على الفريق. الحفاظ على هذا الإرث يتطلب تجديداً مستمراً في الأداء واللاعبين، خاصة في ظل التحديات التي يواجهها الفريق هذا الموسم.
من أبرز التحديات التي تواجه غوارديولا هذا الموسم الغيابات المؤثرة في صفوف الفريق. الإسباني رودري، الفائز بجائزة الكرة الذهبية، يعاني من إصابات أبعدته عن مباريات حاسمة. أما البلجيكي كيفن دي بروين، الذي يعتبر القلب النابض للفريق، فقد تراجعت مشاركاته بشكل ملحوظ بسبب مشكلات بدنية متكررة، حيث شارك في خمس مباريات فقط هذا الموسم.
إقرأ أيضاً: الشباب.. عناوين تزدان بالفشل!
على مستوى الدفاع، يعاني السيتي من هشاشة واضحة. لم يتمكن الفريق من الحفاظ على نظافة شباكه سوى في خمس مباريات من أصل 18، مما أثار القلق بشأن استقرار الخط الخلفي. كما تراجع أداء فيل فودين بشكل ملحوظ، حيث أحرز ثلاثة أهداف فقط في 14 مباراة، بينما يعاني كايل ووكر من قلة المشاركة، حيث شارك كأساسي في ست مباريات فقط.
الدوري الإنكليزي هذا الموسم يشهد تنافساً محموماً بين عدة فرق. ليفربول، بقيادة مدربه الجديد أرني سلوت، يتصدر الترتيب بعد أداء مذهل حقق فيه 15 انتصاراً في أول 17 مباراة. أرسنال، بقيادة مساعد غوارديولا السابق ميكيل أرتيتا، يحتل المركز الرابع بفارق أربع نقاط فقط عن السيتي. أما تشيلسي، تحت قيادة الإيطالي إنزو ماريسكا، فقد أظهر قوة ملحوظة ويحتل المركز الثالث بفارق الأهداف عن أرسنال.
ما يميز هذا الموسم هو تقارب مستويات الفرق، حيث تفصل أربع نقاط فقط بين صاحب المركز الثالث وصاحب المركز الثالث عشر، مما يجعل كل مباراة حاسمة في تحديد مسار البطولة.
إقرأ أيضاً: مواهب عربية تتوهج في الملاعب الأوروبية
لا يمكن تجاهل الدعم المالي الهائل الذي يتمتع به مانشستر سيتي من الأسرة الحاكمة في أبوظبي. هذا الدعم مكّن النادي من التعاقد مع أفضل اللاعبين في العالم، مما ساعد غوارديولا على بناء فريق تنافسي. ومع ذلك، فإن الاعتماد على المال فقط ليس كافياً. يتطلب الأمر إدارة فنية متميزة وقدرة على تحفيز اللاعبين للحفاظ على المستوى العالي.
رغم التحديات الحالية، أثبت غوارديولا في الماضي قدرته على قلب الطاولة. في موسم 2022/2023، كان الفريق متأخراً بفارق خمس نقاط عن أرسنال في منتصف الموسم، لكنه تمكن من تحقيق سلسلة انتصارات مذهلة أنهى بها الموسم متوجاً بثلاثية تاريخية.
الوضع الحالي يتطلب من غوارديولا استعادة الروح القتالية للفريق. الوحدة، التركيز، وتحليل الأخطاء هي أدواته الأساسية لتجاوز الأزمة. تمديد عقده يمنحه الوقت والمساحة لإعادة بناء الفريق ومواصلة الهيمنة على كرة القدم الإنكليزية.
إقرأ أيضاً: الشغب الرياضي والعقوبات الخجولة!
رغم السلسلة السلبية، يظل مانشستر سيتي واحداً من أقوى الفرق في العالم. التحدي الآن هو الحفاظ على شغف اللاعبين والدافع للقتال من أجل الألقاب في ظل المنافسة الشديدة التي يشهدها الدوري الإنكليزي. مع غوارديولا على رأس القيادة، يظل الأمل قائماً في عودة الفريق إلى قمة مستواه.
ويظل السؤال معلقاً: هل يستعيد السيتي هيمنته كفريق مكتمل الصفوف ويعود إلى التألق وسط العواصف المدمرة التي تلقاها، وهو الفريق المتوج بلقب الدوري الإنكليزي الممتاز لمدة أربع سنوات متتالية، وآخرها لموسم 2023-2024، بعد انتصار مريح على وست هام بثلاثة أهداف مقابل هدف.