: آخر تحديث

إسرائيل وتحديات العام الجديد

3
3
3

مع حلول العام الجديد، تقف إسرائيل عند مفترق طرق حاسم، حيث تواجه شبكة معقدة من التحديات التي تشمل الأمن والاستقرار الاقتصادي والتماسك الاجتماعي. ومع أنها قد أظهرت قدرتها على الصمود والتعامل مع أزمات سابقة من هذا القبيل، فإنَّ تداخل هذه التحديات يتطلب من القيادة الإسرائيلية أن توليها اهتمامًا فوريًا وتخطيطًا استراتيجيًا طويل الأمد.

التحديات الأمنية
لا يزال الوضع الجيوسياسي لإسرائيل أحد أكثر الأوضاع تعقيداً في العالم. والتقلبات في المنقطة تعرضها لتهديدات مستمرة. ويعتبر أكبر هذه التحديات الأمنية التوتر مع إيران، خاصة حول طموحات طهران النووية، حيث ترى إسرائيل أنه لا يمكنها التسليم بأن تكون إيران دولة ذات قدرات نووية، وانها تعلق حالياً آمالها على الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب ليتخذ الإجراءات اللازمة لإحباط المشروع النووي الإيراني إمَّا بالسبل الدبلوماسية والاقتصادية وإمَّا بالطرق العسكرية، دون أن تضطر إسرائيل إلى خوض هذه المعركة لوحدها.

ويرى محللون أمنيون إسرائيليون أن هناك حالياً فرصة ذهبية لإحباط هذا المشروع، خاصة بعد الهزيمة التي منيت بها الجماعات الوكيلة لطهران مثل حزب الله في لبنان، وحماس في قطاع غزة، وانهيار نظام بشار الأسد في سوريا، وتفكيك ما كان يسمى بحلقة النار الإيرانية حولها، وذلك بالتزامن مع تولي ترامب منصب الرئاسة في الولايات المتحدة وموقفه المعلن الحازم بعدم السماح لإيران بحيازة أسلحة نووية.

على صعيد الجبهات الجنوبية والشمالية، لا يزال الوضع فيهما هشاً، بالرغم من الانتصارات التي حققها الجيش الإسرائيلي. ففي قطاع غزة، تواصل فلول حركة حماس إطلاق عمليات الكر والفر بين حين وآخر، مما يلحق خسائر بشرية بقوات الجيش. كما أنَّ احتجاز حماس الرهائن الإسرائيليين يشكل جرحاً مفتوحاً في المجتمع الإسرائيلي، ويؤثر على صانعي القرارات فيما يخص مواصلة الحرب على حماس. وتتعرض الحكومة في إسرائيل لانتقادات بسبب ما يعتبر تقاعساً عن تحديد سياسة "اليوم التالي" في قطاع غزة، وتحديد الجهة التي ستحكم القطاع. وفي وقت كتابة هذا المقال، يبدو أنَّ هناك صفقة متبلورة لوقف الحرب في القطاع وإعادة المختطفين الإسرائيليين إلى أهاليهم.

أمَّا في شمال البلاد، فيشهد اتفاق وقف إطلاق النار مع حزب الله صعوبات وخروقات في تنفيذه، غير أنَّ انتخاب الرئيس الجديد في بيروت يمنح بصيصاً من الأمل بصموده وإعادة الهدوء إلى هذه المنطقة.

كما أنَّ الوضع في سوريا بعد سقوط نظام بشار الأسد يشكل مصدراً لقلق إسرائيلي. فمن جهة، أفقد انهيار النظام إيران أحد أهم معاقلها في المنطقة، مما يعد تطوراً إيجابياً بالنسبة إلى إسرائيل، ولكن من جهة أخرى لم تتضح بعد طبيعة النظام الجديد وميوله السياسية. كما أن تأثير تركيا على هذا النظام يعتبر أمراً غير مريح، نظراً لمواقف أنقرة المعادية لإسرائيل.

علاوة على ذلك، فقد أمست الضفة الغربية مؤخراً نقطة ساخنة، حيث يتصاعد فيها العنف، وتعتبر الجهات الأمنية الإسرائيلية أنَّ التصعيد الأخير في تلك المنطقة يأتي بإيحاء من إيران، التي تحاول تصعيد الأمور من خلال تهريب الأسلحة والتحريض لتعوض نفسها فقدان معقلها في قطاع غزة

التحديات الاقتصادية
كما هو الحال في المجال الأمني، يواجه الاقتصاد الإسرائيلي تحديات جمة بعد 15 شهراً من الحرب التي ألحقت به خسائر مادية كبيرة.

وتشكل تكاليف الحرب المباشرة عبئاً كبيراً على الاقتصاد، حيث أنها تقدر بنحو 250 مليار شيكل، زد عليها مبالغ التعويضات للمدنيين الذين نزحوا بسبب الحرب في الجنوب والشمال، وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي بسبب تجنيد قوات الاحتياط، فنرى أنَّ هناك فترة صعبة تنتظر هذا الاقتصاد قبل أن ينتعش. وقد وجدت هذه الصعوبات تعبيراً لها في تخفيض تصنيف إسرائيل لدى شركات الائتمان الدولية، وفرض المزيد من الضرائب على المواطنين الإسرائيليين في إطار مشروع ميزانية الدولة، الأمر الذي يجعل غلاء المعيشة من بين الأعلى في دول العالم المتطورة.

وبالرغم من هذه التحديات، لا يزال الاقتصاد الإسرائيلي يعتبر اقتصاداً متينا وقطاع التكنولوجيا المتقدمة فيه لا يزال يحقق إنجازات كبيرة، ويمثل جزءًا كبيرًا من الناتج المحلي الإجمالي ومن الصادرات. وهناك مؤشرات أخرى تبعث على الأمل في انتعاش الاقتصاد، مثل نسبة العجز في الميزانية التي هي أقلّ مما كان يُتوقع في بداية العام المنصرم. ويرى المحللون الاقتصاديون أنَّه إذا انتهت الحرب واستقرت الأوضاع الأمنية، فسيعود  الاقتصاد الإسرائيلي لينشط وينمو من جديد.

التحديات الاجتماعية
إنَّ التحديات على الصعيد الداخلي هي ربما الأخطر التي تواجهها دولة إسرائيل، ويجب عليها معالجتها تفادياً للمساس بأمنها القومي. وبعد إقدام حركة حماس على ارتكاب المجزرة بحق المواطنين الإسرائيليين في الجنوب، شهد المجتمع الإسرائيلي حالة من التضامن والتكاتف بوجه هذه الفظائع والحرب على حماس وحزب الله التي تلتها، ولكن مع استمرار الحرب لمدة أكثر من عام، واستمرار احتجاز الرهائن الإسرائيليين في قطاع غزة، بدأت الخلافات والانقسامات القديمة تطفو على السطح من جديد، وذلك على أصعدة عدَّة منها الاستقطاب بين اليمين الحاكم وأحزاب الوسط واليسار المعارضة، أو بالأحرى بين مؤيدي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومعارضه.

كما ازداد لدى الجمهور اليهودي التذمر تجاه المجتمع اليهودي المتزمت (الحاريديم) الذي يعفى شبانه، طلاب المعاهد الدينية، من الخدمة العسكرية الإلزامية، كما يتلقى هؤلاء معاشات سخية شهرياً من الحكومة، ولا يشارك معظمهم في سوق العمل، مما يزيد من العبء الضريبي على المجتمع ككل. وتستغل الأحزاب المتدينة مكانتها كبيضة القبان في الائتلاف الحكومي من أجل الحفاظ على هذه الامتيازات، مما يثير استياءً شديداً في أوساط أخرى من المجتمع. كما تشكل محاولات الحكومة المتكررة للنيل من صلاحيات الجهاز القضائي مصدراً للنزاع بين مؤيدي هذه المحاولات ومعارضيها، الأمر الذي كان قد تسبب في موجة احتجاجات عارمة قبل مجزرة  السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، وعاد مؤخراً إلى الواجهة مرة أخرى.

وتمس هذه الخلافات والنزاعات الداخلية بتماسك المجتمع الإسرائيلي، مما يعتبره محللون خطراً حقيقياً بالنسبة إلى الدولة.

رسم الطريق للمستقبل
إنَّ هذه التحديات المتداخلة تستلزم المعالجة العاجلة؛

على الصعيد الأمني والإقليمي، يتعين على إسرائيل استعادة قوة الردع والتعامل مع المشروع النووي الإيراني على أمل أن تساعدها في ذلك إدارة الرئيس الأميركي المنتخب. وبالمقابل، السعي إلى تعزيز التحالفات الإقليمية وتوسيعها من خلال أطر مثل اتفاقيات إبراهيم، التي يمكن أن توفر لها عمقًا استراتيجيًا. ولكن توسيع هذه التحالفات يستلزم إيجاد حلّ لقضية قطاع غزة والتوصل إلى تسوية ما في الضفة الغربية.

اقتصاديًا، يرى المحللون أنَّه يجب على الحكومة العمل من أجل إنعاش الاقتصاد من خلال ضخ الأموال إلى القطاعات المتضررة من الحرب ومعالجة غلاء المعيشة وتقليص الفجوات وعدم المساواة وتنويع الصناعات والحفاظ على الهدوء الأمني من أجل تحقيق نمو طويل الأمد.

اجتماعيًا، يجب اتخاذ إجراءات عاجلة لرأب الصدوع بين الفئات المختلفة، ومنها تشكيل لجنة تحقيق رسمية لتقصي حقائق مجزرة حماس، وربما إجراء انتخابات تشريعية جديدة بعد كل هذه الأحداث، الأمر الذي قد يؤدي إلى إعادة بناء الثقة بالمؤسسات الديمقراطية والالتزام بسيادة القانون.

بالرغم من هذه التحديات الهائلة، إلا أنَّ تاريخ إسرائيل في مواجهة الصعاب يوفر أساسًا قويًا للتعامل معها. ومن خلال معالجة قضاياها الأمنية والاقتصادية والاجتماعية بعزيمة وإصرار، يمكن لإسرائيل أن ترسم طريقًا نحو المزيد من الاستقرار والازدهار.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف