: آخر تحديث

سورية واللعب بالنار

6
5
4

أحداث متلاحقة تعصف بالجغرافية منذ سقوط نظام القتل والإجرام، والجميع بات الآن يعرف أن سورية تمر بمرحلة خطيرة جداً من تاريخها الحديث، تحاول من خلالها أن تنتقل من حقبة الدولة العصابة التي أُنهكت على مدى خمسة عقود ونيف إلى دولة القانون التي تحكمها مؤسسات تعتمد على دستور حضاري يتلاءم مع متطلبات العصر وطموحات الشعب السوري الذي دفع ثمناً باهظاً للوصول إلى ما هو عليه الآن. دستور من المفترض أن يخطه نخب مفكريها وجهابذة رجال القانون الذين تعج بهم سورية، ومن خلال هذا الدستور سيتم حكم سورية على كافة المستويات وسيتم تحديد صلاحيات العاملين في الدولة ابتداءً من الرئيس إلى أدنى رتبة وظيفية. وأعتقد أن هذا طموح مشروع يسعى إليه الشعب السوري بكل أطيافه، لكن على ما يبدو أن هذا الأمل، وحسب المعطيات على أرض الواقع، ما زال بعيد المنال، خاصة في ظل ما يصدره قادة سورية الجدد من قرارات يمكن أن نصفها، على أقل تقدير، بأنها قرارات بعيدة عن فكر الدولة وتكريس لحكم الفرد والجماعة المحيطة به، ناهيك عن السماح بالتدخلات الإقليمية والعربية في القرارات التي تصدر عن تلك القيادة خدمة لمصالح تلك الدول. وأخشى ما يخشاه أغلب السوريين أن "يتهاوش" هؤلاء المتداخلون بالشأن السوري على الصيدة وتطير "الصيدة" من بين أيديهم، كما تحدث يوماً ما وزير الخارجية القطري، في ليلة ظلماء يتم التحضير لها منذ فترة من أعداء الشعب السوري وعلى رأسهم فلول النظام الأسدي البائد. أتحدث هنا في محاولة لتصويب الأمور، وأدق مع غيري من الوطنيين السوريين ناقوس الخطر الذي ما زال محدقاً ببلدنا وشعبنا.

إنَّ ما يحدث على الساحة السورية، وبالرغم من تصريحات أركان الحكم الجديد ابتداءً من الرئيس المؤقت وليس انتهاءً بالكم الهائل من الإعلام المنظم المحيط به، أنَّ عقلية الثورة انتهت ونحن نعمل بعقلية الدولة، وللأسف لم يلمس السوريون أي دليل على هذا الحديث المكرر، بل يتم ترسيخ حكم الفرد والجماعة المحيطة به من خلال تعيينهم في مناصب حساسة في الدولة، بالرغم من أن أغلب هؤلاء لا يملكون مؤهلات علمية أو حتى خبرة عملية للقيام بهذه المهام، ناهيك عن تعيين أفراد لا يحملون الجنسية السورية في مناصب رفيعة بل وإعطاء هؤلاء رتباً عسكرية عليا، وهذا خطير جداً ويمكن أن يكون له تداعيات كارثية على جيش سورية المستقبل وعلى مستقبل سورية والمنطقة العربية. وليس سراً إذا قلنا إنَّ هؤلاء جميعاً هم عناصر من هيئة تحرير الشام المصنفة على قوائم الإرهاب حتى الآن، والسؤال: لماذا لا يتم رفع هذا التنظيم من تلك القوائم؟ حتى الدول الراعية لهذا التنظيم لم ترفعه عن قوائم الإرهاب لديها، بالرغم من إطلاق العنان لمبررات كثيرة، أهمها أن الهيئة، بالرغم من قرار حلها مع كل الأجسام العسكرية والسياسية وملحقاتها، إلا أن المطلوب منها عدة طلبات وشروط يجب تنفيذها كي يتم رفعها عن قوائم الإرهاب. وطالما أنَّ التنظيم تم حله، فلماذا يتم وضع هذه الشروط؟ سؤال لم يستطع أحد الجواب عليه. والسؤال الأهم: أين ذهب ضباط وعناصر الجيش السوري والأجهزة الأمنية المقدر عددهم بحوالي ثلاثمئة ألف عنصر وضابط وصف ضابط؟ ولماذا لم يتم القبض على أحد منهم حتى الآن إلا الجزء اليسير؟ وهذا السؤال يمكن أن يأخذنا إلى سؤال أهم بكثير، وهو: من الجهة التي أعطت معلومات دقيقة عن عناصر داعش التي كانت تحضر لنسف مقام السيدة زينب في ريف دمشق؟ وهل من المعقول مهنياً سيطرة جهاز أمن الهيئة، المتمثل بالاستخبارات السورية الجديدة، ميدانياً على مفاصل الدولة السورية كاملة في هذه الفترة الزمنية القصيرة جداً، والتي من المفترض أن تكون على الأقل سنتين؟ وهل هناك تعاون تحت الطاولة بين هذا الجهاز وبقايا جهاز استخبارات الأسد، الممسك بكل مفصل من مفاصل سورية الأمنية على كافة الأصعدة وعلى مدى عقود؟ وإذا كان هناك تعاون، فما هو الهدف منه؟ هل يمكن إعادة إنتاج نظام الأسد من جديد بقيادة جديدة كُلّف السيد أحمد الشرع ورفاقه ليكونوا جسراً لعبور النظام البائد إلى بر الأمان مع قليل من الرتوش التجميلية من خلال مشاركة الإسلام السياسي بشقيه السلفي والإخواني، وربما الشيعي؟

إقرأ أيضاً: سورية بين الفدرالية والتقسيم

ما يدفعنا للحديث عن هذه الهواجس وغيرها هو عدم استجابة الرئيس المؤقت وطاقمه لكل الطلبات التي قُدمت له، إن كان في مؤتمر العقبة أو مؤتمر الرياض، أو من خلال زيارة أحمد الشرع إلى السعودية. ولا نعرف سر عدم تشكيل حكومة شاملة لكل أطياف الشعب السوري، حكومة تكنوقراط تدير البلد بعقلية الدولة وليس عقلية الميليشيات، والعمل على تنفيذ خطوات تنفيذية للبدء في عملية الانتقال السياسي. وبالرغم من تفاؤلنا قبيل تشكيل اللجنة التحضيرية لعقد مؤتمر حوار وطني، إلا أننا أصبنا بالإحباط، كما الكثير من السوريين، من خلال الشخوص المشكَلة منها اللجنة، وواضح أن أغلبهم من طيف واحد وانتماؤهم لجهة محددة فقط. فما نسمعه من التصريحات العلنية للسيد أحمد الشرع ووزير خارجيته لم نشاهد أي أثر منه على الأرض، فالتصريحات شيء والواقع شيء آخر، بعيداً كل البعد عن الحقيقة. حتى إن وزراء الحكومة يصرحون في كثير من الأحيان بتصريحات مناقضة تماماً لتصريحات وزير الخارجية والرئيس المؤقت.

إنَّ أغلب السوريين، على مختلف مشاربهم، سعداء بسقوط الأسد وعصابته، وما زالوا حتى الآن تحت نشوة فرح التخلص من أعتى مجموعة حكمت الدولة السورية عبر التاريخ، لكن هذه النشوة بدأت تصطدم بوقائع خطيرة على الأرض. وهذا سيولد، على المدى المتوسط، شئنا أم أبينا، ردود أفعال لا يحمد عقباها، خاصة أن ما يصدر من قرارات مثل الجمارك، وما يحدث من لقاءات مع رجال أعمال مشبوهين كانوا رأس حربة للأسد وعصابته في حربه على الشعب السوري، ناهيك عن الاختفاء المفاجئ والمريب للجيش والمخابرات، بالإضافة إلى عمل الحكومة بعكس الأمور التي يتعهد بها وزير الخارجية والرئيس المؤقت، وكأننا في مشهد عبثي يتم فيه استهلاك الوقت لصالح فئة محددة ما زالت تتقوقع حول نفسها وتريد أن تمسك بسورية وقرارها دون مشاركة أحد، إلا بما يتلاءم ويتماهى مع مصالح تلك الفئة الضيقة. ويبدو من خلال ذلك أن همها إرسال رسائل التطمين للخارج فقط، ولا تعطي أي أهمية للشعب السوري ومعاناته. فمن غير المقبول أن يتم إيقاف دفع رواتب موظفي الدولة والمتقاعدين طوال شهرين، الأمر الذي زاد من معاناة الشعب السوري.

إقرأ أيضاً: التكنولوجيا والسياسة

في المقلب الآخر، أعداء الشعب السوري يبدو أنهم يعملون ليل نهار، وحسب بعض المعلومات الاستخباراتية، فإنَّ إيران تُحضر لأمور قد تظهر نتائجها في أي لحظة، كاستخدام داعش لضرب الاستقرار النسبي للأمن في سورية، وإسرائيل تسعى بكل قوة لتقسيم سورية، وتركيا مستمرة في حربها على قوات سورية الديمقراطية من خلال الجيش السوري، ناهيك عن توغلها في الكثير من مفاصل الدولة السورية. والسؤال الذي يجب أن يسأله السوريون وغير السوريين: هل تنجو سورية من هذا كله؟ ومتى؟ فمن يلعب بالنار لا بد أن يحرق أصابعه.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف