: آخر تحديث

المرأة المتكلّمة بالقرآن

8
11
8

عبدالله خلف

قال عبدالله بن المبارك، رحمه الله،:

خرجتُ يوماً حاجاً إلى بيت الله الحرام وزيارة قبر نبيه عليه الصلاة والسلام، فبينما أنا في الطريق، إذ بسواد، فتميّزت ذاك، فإذا هي عجوز عليها درع وخِمار من صوف، فقلتُ مُسلِّماً، فردت هي: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته.

«سلامٌ قولاً من رب رحيم». فقلت لها: يرحمك الله... ما تصنعين في هذا المكان؟ قالت: «ومَن يُضللِ اللهُ فما له من هاد»، فعلمتُ أنها ضالة الطريق، فقلت: أين تريدين؟ قالت: «سُبحانَ الذي أسرى بعبدهِ ليلاً من المسجد الحرامِ إلى المسجدِ الأقصى»، فعلمتُ أنها قد قضت حجها، وهي تريد بيت المقدس، فقلتُ لها: منذ متى وأنتِ في هذا المكان؟

فقالت: «ثلاث ليال سويّاً»، فقلت: ما أرى معك طعاماً تأكلين؟

قالت: «هو يُطعمني وَيسقين».

فقلتُ: فبأي شيء تتوضئين؟ قالت: «فإنْ لم تجدوا ماءً فتيمّموا صعيداً طيّباً»، فقلتُ لها: إنّ معي طعاماً، فهل لكِ في الأكل؟ قالت: «ثم أتموا الصّيامَ إلى الليل»، فقلتُ: ليس هذا شهر رمضان، فقالت: «ومَن تطوّع خيراً فإنّ اللهَ شاكر عليم».

فقلت قد أُبيح لنا الإفطار في السفر. قالت: «وأن تصوموا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون».

فقلت: سيدتي لِمَ لا تكلميني مثل ما أكلمك؟

قالت: «ما يلفظُ من قولٍ إلّا لديه رقيب عتيد». فقلتُ: فمن أي الناس أنتِ؟ قالت: «ولا تقفُ ما ليسَ لكَ به عِلم إنّ السّمعَ والبصرَ والفؤادَ كلُّ أولئكَ كانَ عنه مسؤولاً»، فقلت: إن أخطأت فاجعليني في حِل، قالت: «لا تثريب عليكم اليوم يغفرُ اللهُ لكم». فقلت، فهل لكِ أن أحملكِ على ناقتي هذه حتى تدركي قافلتك؟

قالت: «وما تفعلوا من خير يعلمه الله».

قال: فأنخت ناقتي، قالت: «قُل للمُؤمنين يغضوا من أبصارهم»، فغضضتُ بصري عنها، وقلتُ: اركبي..

فلما أرادت أن تركب نفرت الناقة، فمزّقت طرف ثوبها، فقالت: «وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم»، فلما ركبت قالت: «سُبحان الذي سخّر لنا هذا ومَا كنّا له مُقرنين وإنّا إلى ربنا لمنقلِبون».

والقصة تطول، وهي في كتاب «جواهر الأدب للهاشمي»، الجزء الأول، صفحة 404.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد