: آخر تحديث

كيف يواجه النظام الإيراني انهيار نفوذه الإقليمي؟

1
2
2

 

"انكسر ذلك الإبريق وانسكب ذلك المكيال"... إنه مثل فارسي قديم يُستخدم لوصف نهاية عهد أو زوال نفوذ. واليوم، هذا المثل ينطبق تماماً على النظام الإيراني. لقد ولى ذلك الزمن الذي كان فيه النظام يفرض إملاءاته على دول المنطقة، ولم يعد بإمكانه أن يصول ويجول كما كان في السابق. إن الدور والتأثير الإقليمي الحالي للنظام قد تراجع وتقلص كثيراً مقارنة بالماضي. النظام الذي راهن على هذا الدور كجبهة أمامية لمواجهة خصومه بعيداً عن شوارع طهران وأصفهان، يواجه الآن أزمة حادة. إن تراجع نفوذه ليس مجرد تكهنات، بل أصبح واقعاً ملموساً ظهر بوضوح خلال زيارة علي لاريجاني لكل من العراق ولبنان.

يبدو أن لاريجاني حرص على أن يبدأ زيارته بالعراق، لأنه كان يعلم أن نفوذ النظام في "السلة العراقية" أكبر بكثير من "السلة اللبنانية" بعد تراجع حليفهم العسكري في لبنان، حزب الله. ولعل إبرام الاتفاقية الأمنية مع العراق كان بمثابة استعراض للقوة أمام الدولة اللبنانية قبل أن تطأ قدماه مطار بيروت.

استقبال فاتر ورفض علني
لكن ما لم يكن يتوقعه لاريجاني هو الاستقبال الفاتر والصفعة التي تلقاها من القادة اللبنانيين، فقد كانت زيارته للبنان فاشلة بشكل واضح، خصوصاً مع التصريحات اللبنانية التي أكدت رفض التدخلات الإيرانية. هذه التصريحات جاءت لتؤكد حقيقة مريرة بالنسبة إلى النظام: إن لبنان الذي كان بالأمس القريب خاضعاً لنفوذه، أصبح يعارضه علناً وفي وضح النهار. وقد أكد الرئيس اللبناني بصراحة: "نرفض أي تدخل في شؤوننا الداخلية من أي جهة، ونريد أن تبقى الساحة اللبنانية آمنة ومستقرة".

أما في العراق، فقد أثير الكثير من الجدل حول الاتفاقية الأمنية التي أبرمها مع مستشار الأمن القومي العراقي، والتي تبين أنها ليست سوى مذكرة تفاهم وليست اتفاقية ملزمة، مما يتعارض تماماً مع ما صوره لاريجاني.

وبعد عودته إلى طهران، وفي محاولة منه للتخفيف من حدة الرفض الإقليمي، أطلق لاريجاني تصريحاً قال فيه: «إن السياسة الإيرانية تقوم على دعم دول المنطقة إذا طلبت المساعدة، دون التدخل في شؤونها الداخلية أو فرض الأوامر عليها». لكن ما فاته هو أن زمن إملاء الأوامر قد ولى إلى غير رجعة، وأن التدخل في تشكيل الحكومات أو حسم مسألة اختيار الرؤساء، لم يعد أمراً يمكن تكراره.

لماذا لم يعد الزمن كالسابق؟
إن قدرة النظام الإيراني على فرض إرادته في المنطقة لم تتراجع فقط بسبب مواقف القادة، بل بسبب جملة من العوامل المعقدة:

الانهيار الداخلي: النظام يغرق في أزمات داخلية عميقة، اقتصادية واجتماعية وسياسية. حالة الغليان الشعبي وغضب الشارع تشتت انتباهه وتستنزف موارده، مما يقلل قدرته على تصدير أزماته أو تمويل وكلائه بالفعالية التي كانت في السابق. هو اليوم مضطر للتركيز على منع انتفاضة شعبية، مما يجعله أضعف خارج حدوده.

تغير ميزان القوى الإقليمي: لم يعد العالم العربي يتقبل التدخلات الإيرانية بنفس القدر. الدول العربية أصبحت أكثر حزماً في مواجهة نفوذ النظام، وشهدت المنطقة تحالفات جديدة تهدف إلى عزل النظام ووكلائه. هذا التغيير في ميزان القوى جعل الأطراف المحلية في لبنان والعراق واليمن أكثر جرأة في التعبير عن رفضها.

تآكل القاعدة الشعبية للوكلاء: مع استمرار الأزمات الاقتصادية الإقليمية، تضاءلت قدرة وكلاء النظام على كسب الدعم الشعبي من خلال الأموال والمساعدات. المواطنون في هذه البلدان أصبحوا يدركون أن سياسات هذه الميليشيات لا تخدم مصالح بلدانهم، مما أدى إلى تآكل قاعدتها الاجتماعية وقدرتها على التحرك بحرية.

الضغوط الدولية المستمرة: العقوبات الدولية والضغوط الدبلوماسية لم تتوقف، مما يضع قيوداً صارمة على قدرة النظام على تمويل شبكة وكلائه. هذه الضغوط تجفف قنوات التمويل السرية، وتجعل مهام مثل مهمة لاريجاني أكثر صعوبة وتعقيداً.

الحل الثالث: استجابة حقيقية لإيران
إن الشعب الإيراني يدرك جيداً أن عدم سعيه لإسقاط هذا النظام اليوم قبل غد، سيجعل الحصاد المر في انتظاره دائماً. وهنا يأتي دور "الحل الثالث" كاستجابة حقيقية لإيران.

مريم رجوي، الرئيسة المنتخبة للمجلس الوطني للمقاومة الإيرانية، وفي خطابها بتاريخ 31 تموز (يوليو) من هذا العام في البرلمان الإيطالي، وبحضور شخصيات سياسية وبرلمانية رفيعة المستوى، قالت: "إن خيار المماطلة أو الحرب الأجنبية، هو في نهاية المطاف استبعاد الشعب من معادلة تقرير مصيره. الشعب الإيراني، عبر معاناته ودمائه الغزيرة، قد مهد الطريق السريع نحو النصر وإرساء الديمقراطية. ويُطلق على هذا الخيار اسم 'الحل الثالث'، وقد أثبت صحته وأصالته خلال التطورات الكبرى وحرب الـ12 يوماً".

ويمكن تلخيص هذا الحل بشكل موجز على النحو التالي: إنه الرد على المأزق العالمي في مواجهة الاستبداد الديني الحاكم في إيران، وإزالة قدرة هذا النظام على امتلاك القنبلة الذرية، وإنهاء حالة إثارة الحروب لهذا النظام المسبب للأزمات. ولتحقيق هذه الأهداف، هناك حل واقعي وحيد، وهو إسقاط النظام الاستبدادي الديني الحاكم على يد الشعب والمقاومة الإيرانية. أي حل آخر بخلاف هذا، سيفرض العار والحرب على المجتمع الدولي.

الحل الثالث يقلب الصفحة المظلمة للشاه والملالي، ويقيم مجتمعاً قائماً على أساس الحرية والديمقراطية. هذا الحل ديمقراطي وعميق، وينقل السلطة إلى الشعب الإيراني عبر عملية ديمقراطية، تكون أولويتها ازدهار سيادة الشعب والتنمية الاقتصادية والاجتماعية الديمقراطية لإيران.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.