لا يختلف اثنان على أنَّ القيادي في حركة حماس يحيى السنوار، كان مقاتلاً صلباً وشرساً في مقارعة إسرائيل، كما عُرف الرجل بشجاعته وتفانيه في مواجهتها، وقد أمضى الكثير من سنوات عمره خلف قضبان سجونها. ويقال عنه كذلك إنه كان روائياً بارعاً؛ شخصياً لم أقرأ له رواية، عدا الرواية الأخيرة من حياته، والتي ستدخل التاريخ من أوسع أبوابه، وهي رواية "طوفان الأقصى"، الرواية الحزينة الكئيبة المخضبة بالدماء، من بدايتها وحتى خاتمتها المجهولة والتي لم تُختتم بعد، رغم رحيل الراوي نفسه إلى جوار ربه. رواية مرعبة بكل معنى الكلمة، حيث سُطرت صفحاتها وفصولها بسيول من الدماء البريئة، 1200 مدني يهودي تم ذبحهم وسحلهم بطريقة مقرفة بشعة في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023، حسب خطة محكمة حبكها المؤلف السنوار بكل عناية، ترك فيها العنان لمسلحيه ومسلحي الجهاد الإسلامي المتطرف، لعبور الحدود وخرق العهود، والقيام بعملية إرهابية همجية لا تعكس حقيقة عدالة القضية الفلسطينية، استغلتها إسرائيل وحكومتها اليمينية المتطرفة الحاقدة على كل ما هو فلسطيني، خير استغلال، لتحريك كل آلاتها العسكرية المتقدمة، والدخول إلى غزة والعمل فيها قتلاً وتدميراً على مدى أكثر من عام، والنتيجة كانت مقتل ما يقارب 46000 فلسطيني من أهالي غزة.
"إننا نفضل أن نموت شهداء على أن نموت قهراً وإذلالاً، ونحن مستعدون للموت، وسيموت معنا عشرات الآلاف"، هذا ما قاله السنوار في خطاب له في أيار (مايو) 2018، متوعداً إسرائيل إن لم ترفع الحصار عن قطاع غزة. هل كان يقصد بعشرات الآلاف، سكان غزة؟ ربما لا، وربما نعم، والنعم هنا لها الأرجحية والغلبة، كون الخاسر الأكبر من جراء طوفان حماس، كانت غزة، وعشرات الآلاف من القتلى كانوا من أهل غزة الأبرياء. وإذا كانت غاية السنوار الموت شهيداً، فليس من الغريب إطلاقاً أنه أراد الموت والشهادة لأهل غزة أيضاً.
صلابة السنوار وشجاعته، وطول بقائه في سجون إسرائيل، لا تشفع له سوء تصرفه، الذي تسبب بنكبة جديدة أشد قساوة من النكبة القديمة عام 1948، وآثارها قد تتجاوز قطاع غزة المحطم، إلى الضفة الغربية المحتلة، وقد يهدد حتى الوجود الفلسطيني نفسه.
إقرأ أيضاً: أسعد الشيباني البلبلُ الغردُ
تطرف حركة حماس ولا عقلانيتها، وانعدام حسها بالمسؤولية تجاه سكان غزة خاصة، والشعب الفلسطيني المقهور عامة، وإقدامها على مغامرة غير محسوبة النتائج، وإعلانها لطوفان الأقصى، طوفان الجهل المطبق، طوفان الحمق والجنون المطبق، لتنقل للعالم صورة مشوهة للنضال الفلسطيني العادل، وتقدم لإسرائيل حجة على طبق من ذهب، لتبرير قيامها بتسونامي إسرائيلي مدمر، لم يُبقِ على عمران وبنيان غزة، وحولها إلى حطام هائل يصعب التخلص منه، لدرجة يصعب معها إعادة إعمارها من جديد.
ما أعرفه، ولست ضليعاً بأمور الدين، أنَّ الانتحار وقتل النفس إنما هو إثم ومعصية، بأمر إلهي نزل في القرآن الكريم "ولا تقتلوا أنفسكم"، والذي حدث في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، لا يمكن وصفه إلا بالانتحار. وللأسف لم يكن انتحاراً فردياً أقدم عليه مهندس العملية ومدبرها السنوار، لرحمنا عليه، وطلبنا من العلي القدير الرحيم، الرحمة والمغفرة للمنتحر والتخفيف من ذنبه، لكن ما جرى كان انتحاراً جماعياً، ذهب السنوار وأخذ معه أرواح الآلاف من أبناء جلدته من أهل غزة.
إقرأ أيضاً: لا مكان للتطرف الديني في سوريا
التسونامي الإسرائيلي، الذي أودى بغزة، وقد يودي بالضفة المحتلة كذلك، ووصل للعديد من البلدان المجاورة، الغريب أن أثره على بقية البلدان المحيطة، كان حميداً ومباركاً، ومصائب قوم عند قوم فوائد، قُتل حسن نصر الله وبمقتله تنفس أهل لبنان الصعداء، وفر بشار الأسد وتحرر أهل سورية من أسوأ أنظمة الحكم فساداً وإجراماً، وربما يصل أثر طوفان حماس وتسونامي إسرائيل، إلى طهران ورأس الأفعى الإيراني، لتتخلص المنطقة من نظام ديني طائفي ذميم وبشع، شكل ويشكل عبئاً ثقيلاً على شعوب المنطقة ومجتمعاتها واستقرار دولها، والله أعلم.