في الحقول السياسية المترامية، تقف الفزاعة شامخة ظاهرياً، متوشحة بهيئة تخيف صغار الطيور. هي صورة القوة الصامتة التي صُممت لإبقاء الآخرين في حيز السيطرة أو الخوف. ولكن حين نتأمل الفزاعة بعمق، نجدها رمزاً مأساوياً أكثر مما تبدو عليه. إنها تعبير عن نظام هش يخاف من ذاته قبل أن يخيف الآخرين. الفزاعة، وإن بدت قوة لا تُقهر، هي في جوهرها ضحية. فهي مسلوبة الإرادة، مرهونة بمكانها، محاصرة بخيوط العجز التي نسجها من صنعها.
في عالم السياسة، تتكرر هذه المفارقة المضحكة المبكية. الأنظمة التي تدّعي القوة المطلقة، مثل النظام الإيراني، تخفي في أعماقها هشاشة تتغذى على وهم السيطرة. أثبتت الأيام أن النظام الذي يُبنى على الخوف يصبح هو ذاته رهينة للخوف. إنه يخاف الطيور التي قد تقترب، ويخاف الفلاح الذي قد يغير موقعه، ويخاف حتى نفسه التي قد تنهار إذا أُزيلت هذه الواجهة المخيفة. القوة الظاهرية للفزاعة ليست سوى قناع يغطي قلقاً وجودياً دائماً.
حين تُصادر الفزاعة حقها في الحركة، تُجبر على الوقوف بثبات بينما تدور العوالم من حولها. وهذا الجمود ليس اختياراً، بل قدر فُرض عليها ممن أرادها أداة للسيطرة. والأنظمة السياسية القمعية تشبه هذه الفزاعة؛ فهي تبدو واقفة ومستقرة، ولكنها في الواقع عاجزة عن مغادرة موقعها. كل خطوة نحو التغيير تُفسر كتهديد، وكل محاولة لفك القيود تُقابل بخوف عارم من الانهيار.
إقرأ أيضاً: الإرهاب القادم… عدو بلا وجوه
إن مصادرة حق الحركة، سواء للفزاعة أو للنظام، تُفقدهما إنسانيتهما. النظام الذي يختار أن يصبح أداة للخوف يفقد روحه السياسية، وتصبح قراراته انعكاساً لمخاوفه، ويُجرد من القدرة على تحقيق ما يتجاوز الحفاظ على وجوده. مثل الفزاعة، يقف النظام الإيراني القمعي وسط الحقول، محاطاً بطيور تحلق بعيداً، غير مدرك أنَّ قوة الطيور تكمن في حريتها، بينما ضعفه يكمن في جموده.
لكنَّ الطيور لا تبقى خائفة إلى الأبد. الزمن يُضعف الفزاعة، يبهت قماشها، ويسقط قناعها. وعندها تتبدد قوتها الوهمية، وتدرك الطيور أن الفزاعة ليست أكثر من شيء هش لا يملك من أمره شيئاً. كذلك الحال مع الأنظمة السياسية المبنية على الخوف. مهما بدت قوية في اللحظة الراهنة، فإنها ستُكشف عاجلاً أو آجلاً. لا يمكن للوهم أن يصمد أمام الحقيقة، ولا يمكن للخوف أن يكون أساساً للشرعية.
إقرأ أيضاً: عبدالله الغذامي مدرسة نقدية قائمة بذاتها
المفارقة العميقة هي أنَّ الفزاعة، التي أُريد لها أن تخيف الآخرين، تحتاج هي ذاتها للتحرر. تحتاج أن تتحول من أداة إلى كيان حقيقي. الأنظمة التي تعتمد على القمع تحتاج هي الأخرى إلى ثورة داخلية. إنها بحاجة إلى أن تتحرر من خوفها من التغيير، وأن تعيد تعريف نفسها ليس كرمز للقوة المزيفة، بل كفاعل قادر على الحركة، والتفاعل، والنمو.
الحرية ليست مطلب الطيور فقط يا خامنئي، بل هي مطلب الفزاعة أيضاً. الحرية ليست فقط حق الشعوب، بل هي حاجة الأنظمة لتتخلص من قيود أوهامها. النظام الذي يتحرر من خوفه يصبح قادراً على أن يكون أكثر من مجرد أداة، وأكثر من مجرد فزاعة. يصبح كياناً إنسانياً قادراً على مواجهة التحديات بشجاعة، بدلاً من أن يقف خائفاً من كل طائر يقترب.
إقرأ أيضاً: الراشد والعمير… أسياد اللعبة
ختاماً، الفزاعة ليست سوى انعكاس للنظام الذي صنعها. وحين تضعف الفزاعة، وتتحرر الطيور، يدرك الجميع أن القوة ليست في الوقوف الصامت المتظاهر بالعظمة، بل في التحليق الحر الذي لا تقيده قيود. الفزاعة، مهما بدت مخيفة، تظل رمزاً لوهم القوة، الذي لا يمكنه أن يصمد أمام الحقيقة المطلقة: الحرية دائماً هي الحقيقة الوحيدة.