على أرض الملعب السوري، تغيّرت قواعد اللعبة خلال السنوات الأخيرة، بل خلال الأشهر والأيام القليلة المنصرمة. فالسقوط المفاجئ لعصابة الأسد حوّل لاعبين أساسيين في الملعب السوري إلى لاعبي احتياط، مثل إيران وروسيا، وأصبحت المواجهة الأبرز الآن بين الفاعلين الجدد بشكل كبير، اللذين كانا موجودين، لكن زاد نفوذهما بشكل واضح، وهما تركيا وإسرائيل. وبالتالي بدأت هناك تساؤلات حول إمكانية وجود مواجهة مباشرة بالفعل أم صراع على النفوذ فقط؟
هذا ما يتم تداوله بشكل كبير في الأوساط الإسرائيلية، التي لاحظت بشكل واضح تصاعد النفوذ التركي في سورية. وهذا لن يمر عليها بشكل عابر. ولهذا، شكّلت لجنة حكومية للتصدي للموضوع، وبدأت تدرسه بشكل واضح. ومع تصاعد النفوذ التركي الكبير في سوريا، يُطرح تساؤل: ما هو شكل العلاقة الممكنة في الأيام والأشهر القادمة بين إسرائيل وتركيا؟
هل يتحول الأمر إلى صدام مباشر على الأراضي السورية، أم أنه يمكن أن يأخذ بُعداً آخر؟ خاصة أنَّ إسرائيل تعتبر أنَّ هناك من المقربين منها والحلفاء لها، مثل الدروز والأكراد، يجب أن تُعطي لهم ضمانات ودعماً. ولعل الإجابة على هذا السؤال جاءت من التوصية التي رفعتها هذه اللجنة إلى حكومة بنيامين نتنياهو، والتي قضت بالاستعداد لحرب محتملة مع تركيا.
الأكثر إثارة هو تصنيف اللجنة نفسها للخطر التركي على أنه أكثر خطورة من التهديد الإيراني. ونتيجة لذلك، دعت إلى اتخاذ إجراءات واضحة لتعزيز القدرات العسكرية الإسرائيلية. هذه المخاوف ظهرت للعلن بعد أن كشفت وسائل إعلام إسرائيلية عن إجراءات تحاول تل أبيب القيام بها من خلال حوار مع قوات سورية الديمقراطية، وهو ما لم تنكره قيادات تلك القوات. بالإضافة إلى وجود دائرة ضيقة للغاية تحاول إسرائيل اختراقها بشكل كبير للتصدي لهذا التواجد والنفوذ التركي الكبير في سورية.
ولعل تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي حذر فيه من وجود قوة إضافية غير إيران بالميدان، وأنَّ على إسرائيل أن تستعد بشكل جيد، يعد مؤشراً واضحاً على ما جرى في كواليس الاتصالات الأمنية والعسكرية والسياسية في إسرائيل. رشح من هذه الكواليس خوف الجميع على أمن الأقليتين الصديقتين لإسرائيل، وهما الأقلية الدرزية والأقلية الكردية، وضرورة الاهتمام بوضعهما.
إقرأ أيضاً: هكذا سقط جيش الأسد
إنَّ سقوط النظام السوري شكّل ضربة قاصمة للمحور الإيراني، الذي فرض طوقاً نارياً على إسرائيل منذ عملية "طوفان الأقصى". لكنَّ التحدي الأكبر الآن هو النظام الجديد في سورية، المتمثل في هيئة تحرير الشام المدعومة من تركيا. هذا سيجعل تركيا جارة لإسرائيل، رغم عدم وجود حدود مشتركة بينهما، بالإضافة إلى التقارب التركي العربي الذي حدّ من النفوذ الإسرائيلي في المنطقة.
من جهة أخرى، يمكن القول إنَّ نتنياهو، في ظل الظروف المعقدة التي يمر بها على المستوى الداخلي، يبالغ في تصوير حجم النفوذ التركي في سورية؛ هذا ليفتح جبهة جديدة يحاول من خلالها إيهام شعبه عبر ضجيج إعلامي يروج لاحتمال قيام حرب بين إسرائيل وتركيا بسبب نفوذ الأخيرة المتزايد في سورية، ليكون ذلك ذريعة لإطالة عمر حكومته.
إقرأ أيضاً: مستقبل الصراع في البحر الأحمر
لا شك أنَّ إسرائيل تحاول تحقيق هدفها الاستراتيجي الأسمى من خلال هذه الورقة، في محاولة لدعم الأقليات بشكل أساسي، واقتطاع أجزاء من الجغرافيا السورية وإيجاد حكم ذاتي في جنوب سورية وشمال شرقها. وهذا ما يحقق جزءاً من مشروع دافيد بن غوريون، الذي يتبناه نتنياهو، والقاضي بفرض حكم الأقليات على شرق المتوسط.
رغم خسارته لنظام الأسد، الذي ينتمي للأقلية العلوية، وكان أقوى حليف لإسرائيل في المنطقة خلال أربعة وخمسين عاماً، استطاع الأسد الحفاظ على أمن الحدود الشمالية لإسرائيل.
إنَّ ما يحدث في المنطقة بشكل عام، وفي سورية بشكل خاص، يصب في مصلحة إسرائيل بشكل أو بآخر، خاصة بعد أفول المشروع الإيراني الذي استغلته إسرائيل خير استغلال. وكسبت من خلال محاربته قبولاً نسبياً في صفوف الشعوب العربية، خاصة الشعب السوري الذي ضاق ذرعاً بجرائم إيران وميليشياتها.
إقرأ أيضاً: هل ينجو الأسد من حلفائه؟
ربما يتكرر الأمر مع المشروع التركي في سورية، الذي يعتمد على التنظيمات الراديكالية التي لا يمكن أن يتقبلها الشعب السوري. ومع استمرار ممارسات تلك التنظيمات، من المحتمل أن يؤدي ذلك إلى تململ شعبي قد ينجم عنه ثورة جديدة ضد تلك التنظيمات وداعميها. وبالتالي، قد تلعب إسرائيل نفس الدور الذي لعبته في القضاء على النفوذ الإيراني في سورية، وهذه المرة لتهيئة الظروف المناسبة لإسقاط حكام دمشق الجدد.
هذا سيعزز الرضى الشعبي الذي أسست له إسرائيل بعد طرد إيران وأذرعها من سورية.