يطلق على الفقر والمرض والجهل اسم "الثالوث المدمر"، لكن هناك ثالوث حديث يسببها ويزيد معها الموت. وكان يعتقد البعض في بداية ظهور هذا الثالوث الحديث أنه بلا نهاية، ولكن مع العزيمة والإصرار وتطوير آليات مكافحته عبر التوعية وزيادة الحس الأمني، والتطور الكبير للأنظمة والأجهزة الإدارية والضبطية، والوسائل والإجراءات، وتضافر الجهود والإخلاص من قبل الجهات المسؤولة والشراكة المجتمعية معها وفق رؤية واضحة وخطط مدروسة وتنفيذ عالٍ، تبددت هذه الأفكار إلى غير رجعة، واتضح أنه من الممكن القضاء على هذا الثالوث.
وتجاوز التعريف لا يعني التقليل من أهميته لغة واصطلاحاً، ولكن يقال: "المعروف لا يُعرَّف" حتى وإن كان قبيحاً مذموماً. والغوص في ثنايا هذه الآفات يكشف الكثير عنها، فهي تتشابه في الوجه القبيح وتفتقد الوجه الحسن مهما كانت المحسنات والمغريات. وبعد التدقيق، اتضح أنها تسير في اتجاه واحد؛ ظاهرها الخداع وباطنها الشر.
لهذه الآفات شراهة مرعبة في القضاء على كل جميل، حلماً كان أو واقعاً، فهي تغيّب العقل ثم تتبعه بالضمير، وتفكك روابط الأخوة، وتجمد العواطف والأحاسيس فتتبلد الروح. فكيف بإنسان بلا عقل أو ضمير أو روح مفعمة بالعواطف والأحاسيس الجياشة؟
يتحول الإنسان إلى مسخ جشع قاسٍ، لا يفهم أبسط معاني الإنسانية. فالفاسد يسرق ويختلس مخصصات ومقدرات الشعوب، ومروجو المخدرات يستولون على أموال المتعاطين ويصادرون صحتهم، والإرهاب يستحل الدماء المعصومة بلا حجة ولا دليل. ونلخص هذا الثالوث كما يلي:
- الفساد: سرطان التنمية.
- المخدرات: سرطان العقول.
- الإرهاب: سرطان الأرواح.
وبعد عدة مراجعات، اتضح أن الفساد تدبير من الأنفس المريضة التي خانت الأمانة، ولكن المخدرات والإرهاب خلفهما مؤامرات ومدبرون وقوى عالمية وإقليمية تزخرف لهؤلاء البؤساء سوء عملهم. فلأهل المخدرات حياة الثراء والتلذذ بنعيم الدنيا، وللإرهابيين نبل مقامهم وعظيم سعيهم ونيل الناموس العظيم. فإذا كان المدبّر خبيثاً، فلماذا السذاجة من هؤلاء المساكين؟
مؤامرة تليها مؤامرة للنيل من الأوطان والشعوب. فما هي الآثار والعواقب المترتبة على انتشار سرطان هذا الثالوث في جسد أمة أو وطن، وبدرجات متفاوتة وطرق مباشرة وغير مباشرة؟ فما بالك بوطن صغير ابتُلي بها كلها وبقوة سلاح الميليشيات؟ ولم يتوقف هذا السرطان على هذا البلد فقط، بل انتشر في جميع دول الشرق الأوسط، ونالت كل بلدانه من هذا الشر مقداراً. فقد وصل البرتقال محشوًّا بالكبتاغون عبر الموانئ الرسمية، وبعد قطع رأس الأفعى تراجعت كميات التهريب بشكل ملحوظ. فهل سيحرر القدس تاجر كبتاغون؟ والوعد الإلهي في الجناية بعظمها يكون العقاب أعظم، عاجلاً أو آجلاً.