"القط يحب خناقه"؛ هذا المثل الشعبي الدارج ينطبق تماماً على شريحة كبيرة من المواطنين، وبالأخص مع اقتراب حمى الانتخابات السابقة والحالية في الإقليم، وتحديداً مع تصاعد وتيرة التنافس بين الحزبين الرئيسيين، الديمقراطي الكوردستاني والاتحاد الوطني، على تقاسم النفوذ والسيطرة على الموارد.
للأسف، نرى يوماً بعد يوم، وباسم الدعاية الإعلامية للأحزاب السياسية خلال الحملات الانتخابية، تزايد حالات الصراع والتسقيط السياسي بشكل غير مسبوق، وتحديداً بين الحزبين الرئيسيين اللذين قسما الإقليم إلى إدارتين منفصلتين. خاصة بعد أن أطلق رئيس الاتحاد الوطني الكوردستاني شعار إسقاط الحكومة التي يسيطر عليها منافسه اللدود، الديمقراطي الكوردستاني، وتغييرها إلى حكومة وطنية شعبية بعيدة عن الاحتكار الحزبي والعائلي في حال فوزه في الانتخابات (ناسياً رئيس الاتحاد أو متناسياً أنه ورث والده في رئاسة الحزب، وأن حزبه كان شريكاً في الحكومة التي يريد إسقاطها)! في المقابل، يرفع الديمقراطي شعاره الأساسي ويقول لمنافسه اللدود: "لا تستطيعون"، أي لا يستطيع الاتحاد إبعاد الديمقراطي أو إزاحته من السلطة مهما حاول. والأكثر من ذلك، يقول نائب رئيس الحزب الديمقراطي مسرور بارزاني، خلال حضوره كرنفالاً انتخابياً في ملعب زاخو الدولي: "سيقضي الديمقراطي على المتآمرين في 20 تشرين الأول (أكتوبر) الحالي، وسيكون هو الفائز الأول".
وكصحفي ومتابع للشأن الكوردستاني، وأنا أتابع بدقة ردود فعل المواطنين في إقليم كوردستان على أداء الحزبين الرئيسيين المتنافسين خلال فترة حكمهما منذ عام 1992 وحتى الآن، وشعاراتهم وصراعاتهم ووعودهم الانتخابية المتكررة والكاذبة، وبالرغم من ردود فعل شعبية عديدة تتوعد الحزبين بالويل والثبور وعظائم الأمور، خاصة بعد أن أصبح فشل السلطة وعيوبها مكشوفة للجميع، فإن هناك أيضاً ردود فعل قوية تعبر عن واقع الناخب الكوردستاني المغلوب على أمره. استطاعت الأحزاب الرئيسية والمتنافسة على السلطة والنفوذ أن تستغل مشاعرهم القومية لتعزيز فكرة الاستقلال والدفاع عن حرية الشعب واستقلاله، وذلك من خلال التصريحات والوعود المتكررة عن خير وسعادة ومجد لم يلمسوه طوال 32 عاماً من حكمهم.
إقرأ أيضاً: فوزية الأنفال وفوزية غزوة داعش
للأسف، وبالرغم من تدهور مستوى معيشة المواطن الكوردستاني (مستوى الثروة، الراحة، الأمن، البيئة، السلع المادية، الراتب، الخدمات الأساسية والضروريات الموجودة)، هناك من يقبل بأن يكون ضحية لوعود الأحزاب الحاكمة التي تتعامل مع المواطن الكوردستاني كأصوات وأرقام فقط. يطلبون بلطف ود الناخب للتصويت لصالح أحزابهم المتنفذة، وبعد انتهاء زوبعة الانتخابات تعود السلطة إلى عاداتها القديمة، وتتحول الوعود إلى أوهام سرابية وخيبة أمل جديدة للناخب المخدوع.
هنا يصدق المثل: "القط يحب خناقه"، والكل يعرفون من هم القطط التي ستصوت مجدداً لخناقه، وخناق آماله وسعادته وعيشه بعد دورات من الوعود الكاذبة.
إقرأ أيضاً: ليس في العراق شيء عدل!
للأسف، نحن نفتقر كثيراً إلى الثقافة الانتخابية. فما يحدث اليوم، ومن خلال تجاربنا الانتخابية السابقة، لا يمكن وصفه إطلاقاً بالتجربة الناجحة أو المقبولة. وعليه، أعتقد جازماً أننا بحاجة كبيرة إلى تكريس وزيادة التوعية الثقافية في السلوك الانتخابي. علينا أن نتعلم ونعي أن صوتنا هو انعكاس لوعينا وشخصيتنا وفكرنا وحريتنا وكرامتنا واستقلالنا، بعيداً عن التحزب والصراع الحزبي المقيت. وحينما نصل إلى هذا المستوى من الوعي، سنرفض جميع المغريات المقززة، ونترك المشاعر والعاطفة جانباً، ونختار البرنامج الانتخابي والمرشح الوطني الذي يمثل الوطن ويمثلنا ويدافع عنا، ويكون أهلاً للثقة، بدلاً من اختيار من يخنقنا ويحطم مستقبلنا ومستقبل أطفالنا.