: آخر تحديث

ميليشيات الشرق الأوسط: أزمة فكر وقيم

13
12
14

من أهمّ المفاهيم الإنسانية مفهوم الفكر والمعرفة والقيم والأخلاق. يُعرف الفكر بأنه إعمال العقل في أمرٍ ما للوصول إلى معرفة المجهول، أما مفهوم المعرفة فهو الإدراك والوعي وفهم الحقائق. أما القيم والأخلاق، فهي مجموعة من المبادئ والمقاييس والمعايير الحاكمة على أفكار الإنسان ومعتقداته واتجاهاته، وتؤثر في حياته لتتمثل في سلوكه وتصرفاته.

وتعاني أي ميليشيا من القصور في هذه المفاهيم. وبقصور هذه المفاهيم يكون الخلط والتخبط في كل تصور وقرار. وميليشيات الشرق الأوسط نشأت نتيجة لدوافع وغايات قاصرة افتقدت للعمق الفكري والاستنباط المعرفي والضعف القيمي والأخلاقي. هذه الميليشيات تسعى للتخلص من وضع قائم تمليه ظروف معينة، وكان بالإمكان دراسة خيارات أفضل حتى لا تكون العواقب وخيمة، كما حدث الآن في عدد من البلدان التي تتواجد بها هذه الميليشيات.

وبعد مرور أكثر من 45 عامًا على قيام هذه الميليشيات، أصبح من الضروري تقييم ومراجعة ما قامت به هذه الميليشيات وضررها على البيئة المحيطة بها بمستوياتها الثلاثة:

أولاً: البيئة الخاصة (بنية الميليشيات):
بيئة هذه الميليشيات الخاصة بيئة فاسدة وخطرة، تابعة تعتمد على الرموز. هذه الرموز تصل إلى درجة القدسية المستمدة من تخويل من رمز أعلى مقدس. تكوينها هرمي بحت وبمسمى براق، وتعمل وفق نظام دكتاتوري، وتعتمد على أسلوب الترغيب والترهيب لأتباعها وتجندهم لأهدافها وخدمتها. تتحول هذه الميليشيات إلى طبقات بحسب النفوذ، وينتشر الفساد فيها واللصوصية، وربما تصل بعض القضايا فيها إلى تصفية بعض المنتمين لها.

ثانياً: البيئة الداخلية (البنية الوطنية):
تركز هذه الميليشيات على فرض الوجود والسيطرة محليًا بأي طريقة، وتستقوي على محيطها الداخلي بطرف خارجي له مقاصده وغاياته. تصبح هذه الميليشيات وكيلة خارجية لتمدده ونفوذه، مما يسمح له بالوصاية والتدخل في الشأن الداخلي لبلدها. يؤدي ذلك إلى زعزعة الأمن الداخلي وخلخلة الوضع السياسي، وتمزيق النسيج الاجتماعي وشرخ الوفاق الوطني. تفتقر هذه الميليشيات للشمولية المنظمة سياسيًا وأمنيًا وعسكريًا واجتماعيًا، وتسبب عجزًا تنمويًا واقتصاديًا. تصبح دويلة داخل دولة أو ما يسمى بالكيان الموازي، ولها أيدي علنية وخفية تسير أمور هذا البلد وفق ما تراه بعيدًا عن النظام والقانون، وبكل تعسف وعنجهية. تجهل هذه الميليشيات كيفية إدارة الدولة سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا بحكم تواضع تعليم وثقافة قياداتها. يفقد أي بلد تتواجد فيه مكتسباته، وتنتهك حقوق مواطنيه. تستهدف الميليشيات قادته ومفكريه ونخبه بالاغتيال والاعتقال والنفي أو الهجرة. تجرد الميليشيات كافة المؤسسات السياسية والأمنية والقضائية والقانونية والمالية والتعليمية والاجتماعية من دورها الحقيقي. تحول المطار والميناء والمستشفى وكافة الخدمات لصالحها. يتراجع التحصيل المعرفي والعلمي، وينتشر الفقر والجريمة والمخدرات. تنحدر مقومات الحياة وتضيع الفرص والمحفزات الاقتصادية والتجارية والسياحية. تنهب هذه الميليشيات البنوك والمصارف ومدخرات الشعب. لعدم كفاءتها في إدارة الأعمال، تبحث عن مصدر ربحي سريع، ومن أشهر طرقها تجارة السلاح والممنوعات والمخدرات والرذيلة.

ثالثاً: البيئة الخارجية (المجاورة والدولية):
تنتهج هذه الميليشيات نفس نهج الدولة الداعمة بحكم تأثرها أيديولوجيًا بها. تتبنى نفس مواقفها السياسية والإعلامية، وتصبح بوقًا لها، وتطبق سياساتها وعقائدها العسكرية والأمنية. تجيش أتباعها بالعاطفة والحماسة، وتلجأ لحرب العصابات. تدخل هذه الميليشيات في سباق تسلح محموم، وتحول البلد المتواجدة فيه إلى مستودع وسوق سلاح، ويكون السلاح أكثر من مستخدميه. يتم تخزينه في مستودعات بدائية وفي الأحياء المأهولة بالسكان كنوع من التمويه. تركز هذه الميليشيات على التسليح الخفيف والمتوسط، وتجهز مناطق عملياتها بالأنفاق. لكن خلال السنوات العشر الأخيرة، زُودت بأسلحة هجومية موجهة عن بعد، وبكافة أنواع الصواريخ التي توفرها الدولة الداعمة لعدم قدرة ميزانية الميليشيات على شراء تلك الأسلحة. لا يصاحب نصب هذه الصواريخ أي حماية دفاعية فتكون معرضة للهجوم. جميع مناطق تواجد الميليشيات مكشوفة جويًا، بحكم عدم استطاعتها بناء منظومة عسكرية متكاملة دفاعية وهجومية. تفتقر للتسليح الجوي والدفاع الجوي والبحري، ولمراكز العمليات المتطورة ومنظومات الرصد الجوي ومفهوم العمليات المشتركة. تعاني من هشاشة أنظمة ومعدات الاتصال والتحكم، وسهولة اختراقها استخباراتيًا، مما يمنح منافسيها ميزة التفوق.

إقرأ أيضاً: إيران والثأر الإسرائيلي

تتخذ هذه الميليشيات قرارات الحرب بمعزل عن الإرادة الوطنية، فتدخل بلدها في حالة حرب، ويكون البلد ضحية لممارسات هذه الميليشيات. خارجيًا، تكون الميليشيات أسيرة لقرارات الدولة الداعمة، فتتبنى وجهة نظرها في القضايا الإقليمية والدولية، وتدخل في تحالفاتها الدولية. ربما تستعين بها الدول الأخرى في حروبها الداخلية. لعدم وجود رادع أخلاقي وقواعد اشتباك محكمة، ولتفتقدها لأبسط مبادئ الضبط والانضباط والمسألة القانونية، ترتكب هذه الميليشيات المجازر وجرائم الحرب والتطهير العرقي والقتل، بما يتنافى مع مبادئ حقوق الإنسان وقانون الحرب الدولي. يتم الاستعانة بالميليشيات في أعمال الجريمة المنظمة وتجارة السلاح وغسيل الأموال والمخدرات ونشاطات التهريب دوليًا، بما في ذلك الإتجار بالبشر وفق شبكات وعصابات مافيا منفردة أو متعددة الجنسيات لزيادة الدخل والكسب غير المشروع.

إقرأ أيضاً: طريق الموت يمر بالضاحية

ومتى سيطرت أي ميليشيات على وطن ما وشعب ما، عاش الشعب أيامًا وليالي سوداء مسلوب الإرادة من أعلى الهرم حتى الإنسان البسيط. آن الأوان لحكومات هذه البلدان التخلص من هذه الميليشيات واستعادة السلطة والإرادة الوطنية بحلول سلمية أو بفرض النظام.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.