: آخر تحديث

قبل أن يتولى ترامب ولايته الثانية

4
6
5

من الواضح أنَّ التحقيقات في الأفعال الجرمية للرئيس المنتخب دونالد ترامب قد وصلت حديثاً إلى نهاية غريبة مثلما يمكن أن يُطلق عليها، إن لم نقل مأسوية. فقبل حوالى عام من الآن، كان الرجل لا يزال يواجه أحكاماً بالسجن لفترات طويلة، وذلك بتهم جسيمة من شأنها أن تمنعه على أرض الواقع من ممارسة أي نشاط سياسي. أول التهم كانت تتعلق بالاحتيال الانتخابي، وأخطرها كان تحريضه العلني على اقتحام مبنى الكابيتول (وبالمناسبة، منذ فترة ليست بقصيرة يسعى معسكر ترامب إلى تفسير اقتحام مبنى الكابيتول باعتباره "يوم الحب").

قضية أخرى لا تقلّ خطورة هي تخزين تقارير لمعلومات سرية تمس أمن بلاده، واحتفاظه بها في مارالاغو بشكل غير مسؤول، بالإضافة إلى فضيحة جنسية. ولحسن "حظ" السيد ترامب، فإنَّ القضية الأخيرة، وهي مهزلة مخجلة ومحرجة لأنها تمس أيضاً ألعاب القوة "القذرة"، وصلت إلى المحاكمة النهائية. أما باقي القضايا، كما يبدو اليوم، فقد اختفت تحت أنقاض الديمقراطية الأميركية الحالية إلى درجة كبيرة، خاصة منذ أن تولى السيد ترامب زمام الأمور في الحزب الجمهوري الأميركي.

بالرغم من أنَّ ابنة شقيق ترامب، ماري ل. ترامب، قد وصفت حكم القاضي خوان ميرشات في القضية بأنه نقطة تحول، واصفة إياه بـ "الجمر المحتضر لسيادة القانون" (The Dying Embers of the Rule of Law)، غير أن الحقيقة ستظل ماثلة في الأذهان: سوف يجلس "مجرم مدان" في المكتب البيضاوي في واشنطن العاصمة، ابتداءً من العشرين من الشهر الجاري. وإذا ما تذكرنا أنَّ ترامب قد تم انتخابه من قبل 77.3 مليون ناخب أميركي، فلنا أن نسأل: هل انتهى الأمر بنحو 249 عاماً من تاريخ الديمقراطية في سلة المهملات؟

ليس خافياً على المتابعين أنَّ الديمقراطية الفعالة تتطلب دعم الشعب لمبادئ الفصل بين السلطات وسيادة القانون. ولكن يبدو أن هذا الشعور قد اضمحل لدى أكثرية ساحقة من طبقات المجتمع الأميركي، أو لنقل بأنه قد ضاع إلى درجة كبيرة. والسبب على الأرجح يكمن في تضاءل الثقة في مؤسسات الدولة بشكل عام. وإذا ما تذكرنا سياسات المسؤولين الأثرياء في وسائل التواصل الاجتماعي، من أمثال إيلون ماسك على وجه الخصوص، علينا ألا نستغرب من ذلك. فالحملات اليمينية الخطرة، وفي بعض المرات الخبيثة أيضاً، تعلو اليوم في أنحاء العالم بشكل مخيف. وقد بات هذا الأمر الأكثر خطورة على مجتمعاتنا بشكل كلي، بعد أن قرر هؤلاء أن السماح بنشر روايات المؤامرة والتلفيقات والأكاذيب يندرج ضمن أركان "نشر حرية الرأي".

بما أن خوارزميات منصات الاتصال الرئيسية غالباً هي التي تقرر ما الذي يُقدم إلينا من أخبار ومعلومات، فإنَّ أشخاصاً مثل ماسك يتمتعون بسلطة هائلة وخطيرة ــ من دون حيازتها لشرعية ديمقراطية.

إقرأ أيضاً: حصانة ترامب وتهاون القضاء

على أي حال، من الصعب التكهن بأنَّ عالمنا سيكون أكثر أماناً بعد تولي ترامب ولايته الثانية. فقبل رئاسة أميركا للمرة الثانية، بدأ الرجل بإطلاق تصريحات تفوح منها رائحة الحروب العدوانية، وتخالف أقواله السابقة بشكل راسخ، إذ قام بتسجيل بعض المطالبات بتوسيع أراضي الولايات المتحدة الأميركية على حساب دول أخرى. فكما هو معروف الآن، فإنَّ غرينلاند في القطب الشمالي وقناة بنما مدرجتان في قائمة اهتماماته وأمنياته، بينما يشكك ترامب في نفس الوقت أيضاً في سيادة كندا.

يبدو أنَّ مبدأ سيادة الدولة وسلامة أراضيها ــ وهو أساس القانون الدولي الحديث ــ لا قيمة له لدى ترامب. وبدلاً من ذلك، يشير ترامب إلى أنَّ السعي اللامحدود لتحقيق ما يطلق عليه "مصالح أميركا العليا" هو أمر مشروع. وليس من المستبعد أن يضع الرجل بلاده على نفس المستوى مع أولئك الذين لا يحترمون الحدود الدولية، من شاكلة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والذين يعتبرون حق "الأقوى" هو الأهم.

إقرأ أيضاً: توتر السيد ترامب أمام السيدة هاريس

وربما ينوي ترامب، بمطالبته بغرينلاند، تحقيق هدفين لم يفصح عنهما علناً: أولهما أن تصبح أميركا أكبر دول العالم مساحةً، وثانيهما إيجاد تبريرات للخروج من حلف "الناتو"، كونه لا يهمه مصالح الحلف ولا يأخذه في عين الاعتبار.

إنها لبداية مقلقة لعام 2025!

والملاحظة الأخيرة: رغم كل ذلك، فإنَّ إصدار "حكم" في قضية الأموال الصامتة بحق ترامب سيظل، وربما إلى الأبد، بقعة سوداء تؤذي الرئيس الأميركي النرجسي الطبع، حتى وإن كان هذا لا يضره أبداً من الناحية السياسية. وهذا لن يفاجئ أحداً بعد الآن.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف