: آخر تحديث

هذا المتحف الذي يغسل الهموم

8
11
8

سليمان جودة

لا تزال المتاحف تجذب السياح في كل عاصمة، ولا يكاد السائح يجد نفسه في باريس مثلاً، حتى يسارع إلى زيارة متحف اللوڤر، فإذا كان في نيويورك فالمتروبوليتان سوف يكون وجهته، فإذا كان في لندن فالمتحف البريطاني سوف يشده بالتأكيد، إذ يكفي أن تكون النسخة الأصلية من حجر رشيد موجودة فيه، رغم أن الفرنسيين هم مكتشفوها في مدينة رشيد المصرية على ساحل المتوسط، ولكن هذه على كل حال قصة أخرى. فإذا كان السائح نفسه في مصر فالمتاحف لا حصر لها ولا عدد تقريباً، ولماذا لا تكون كذلك إذا كانت المحروسة تستحوذ على ثلث آثار العالم؟

وعندما يجري افتتاح المتحف الكبير في الهرم هذا العام فإنه سيكون آية بين المتاحف، وسوف لا نجد أي مبالغة في الحديث الذي قيل ويقال عن أن هذا المتحف بالذات سيأتي بمساحته وحجمه وتصميمه ومكانه أو موقعه القريب من الهرم وكأنه حقاً هدية للعالم. وتتنوع المتاحف من متاحف آثار بالأساس إلى متاحف علوم فضاء ومتاحف للحيوانات والعلوم البيولوجية إلى آخر القائمة. ولكن السائح إذا وجد نفسه ذات يوم في العاصمة الكرواتية زغرب، فسوف يكون عليه أن يزور متحفاً فريداً من نوعه. وكيف لا يكون فريداً وهو متحف للضحك ؟.. نعم هو هكذا.. ولابد أنه لا مثيل له في أي عاصمة أخرى حول العالم.

المتحف فريد من نوعه بالفعل، لأنه لا يجد لنفسه دوراً يقوم به في مكانه، سوى العمل بقدر ما يستطيع على صرف المشاعر السلبية عن الناس، خصوصاً الذين سوف يسعدهم الحظ بزيارته بطبيعة الحال. أما السيدة الكرواتية أدريا جولوبيتش، فهي صاحبة الفكرة في هذا المتحف العجيب، وهي المبتكرة التي اخترعت المتحف، وتقول إن الفكرة راودتها في أيام وباء كورونا، عندما كان العالم حبيس البيوت وعندما كان كل واحد في أرجاء الأرض يعيش أسيراً للعزلة والاكتئاب والإحباط. تضيف أندريا وهي تتحدث عن متحفها فتقول: «من يومها آمنت بأن الإنسان المعاصر في أشد الحاجة إلى أن يواجه مثل هذه المشاعر التي اجتاحته وقت الجائحة، وبأنه شيء يمكن أن يتعافى به الإنسان منها إلا الضحك الذي يخرج من القلب كما يقال».

الغريب أن صورة من الطفولة المبكرة لمبتكرة المتحف هي التي أوحت لها بالفكرة، فلقد كانت تفتش في ألبوم طفولتها فعثرت على صورة لها وهي في السابعة من عمرها، وكانت تضحك من قلبها في الصورة، ففكرت بينها وبين نفسها وتساءلت: «ماذا لو ضحك الإنسان من قلبه كما أضحك أنا في الصورة، وماذا لو ألقى همومه وراء ظهره فضحك متجاوزاً إياها؟».

وما تقوله مبتكرة المتحف له أساس علمي، ويعرفه الأطباء النفسيون الذين إذا ذهب إليهم المريض لا يعطونه علاجاً يتناوله كما هو حال الطبيب غير النفسي، ولكن كل ما يطلبه الطبيب النفسي من المريض أن يتمدد أمامه على الشيزلونج، ومن بعدها يبدأ العلاج بالكلام والحديث والأخذ والرد، وكأن الهدف هو استدراجه إلى أن يسمع وأن يحكي. يقوم العلاج النفسي في الجانب الأهم منه على نوع من دغدغة وجدان المريض، وعلى أساس أن الحوار بينه وبين الطبيب هو في حد ذاته درجة من درجات البعد عن الإحساس بالعزلة، ومفارقة الشعور بالإحباط، ومغادرة أرض الاكتئاب. نسيت أن أقول إن متحف زغرب اسمه «هاها هاوس» وهي عبارة لو ترجمناها بحرفيتها سيكون معناها بيت الضحك، أو شيء قريب من هذا المعنى.

وأما الطريقة التي سيعتمدها في العلاج فهي الفكاهة والسخرية والقصص المسلية، وكل ما ينتزع الزائر من الهموم التي رافقته إلى أن دخل المتحف، فإذا ضحك فسوف يغادر وهو يشعر بأنه كمن غطس في نهر، ثم خرج منه وقد زال عنه ما يؤرقه ويثير في داخله الأحزان والشجون. من شدة ما يجده إنسان العصر في حياته من منغصات، أشعر أن الطابور أمام متحف الضحك هذا سيطول بأكثر مما يتوقع الذين وقفوا وراء إخراج فكرته إلى النور.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد