في ذكرى مقتل قاسم سليماني، الإرهابي الرئيسي السابق لنظام إيران، تم تسليط الضوء على جرائمه في سوريا والعراق، وإسقاط صور هذا المجرم وسط هتافات "اللعنة على سليماني" في هذين البلدين. يحدث هذا في ظل ظروف استثنائية حيث أدى السقوط الأخير لنظام الأسد في سوريا إلى سلسلة من التحولات غير العادية ذات التأثيرات المرئية في المنطقة، وخاصة في العراق.
إنَّ الإطاحة بدكتاتورية الأسد، باعتبارها هزيمة قاسية واستراتيجية للنظام الإيراني، قد عطلت توازن القوى في العراق على حساب النظام الإيراني. تواجه قوات الحشد الشعبي، الجناح شبه العسكري لفيلق القدس في العراق، احتمال التفكك الآن. وقال إبراهيم الصميدعي، المستشار السياسي لرئيس الوزراء العراقي، في لقاء تلفزيوني: "لا يمكن للعراق أن يظل سيفاً لمحور المقاومة بعد سقوط نظام الأسد وإضعاف حزب الله في لبنان، والآن ومن منطلق مسؤولياتنا يجب أن نعمل مع الجماعات المسلحة للنظر في حلها ودمجها في البنية السياسية للبلاد" (الشرق الأوسط، 18 كانون الأول - ديسمبر 2024).
قد تكون هذه التصريحات بمثابة دحض لمزاعم النظام الإيراني ووكلائه، الذين يسعون جاهدين لإنقاذ ماء الوجه والتظاهر بأن شيئًا مهمًا لم يحدث، مدعين أنَّ "المقاومة" (التي هي في الواقع سياسة النظام في إثارة الحروب وتصدير الإرهاب في المنطقة) لا تزال سالمة.
خلال اجتماع مع مداحي النظام في 23 كانون الأول (ديسمبر) 2024، أشار المرشد الأعلى للنظام علي خامنئي إلى "الرجال المؤمنين الحاضرين والذين سيكونون حاضرين في اليمن والعراق ولبنان وفلسطين وقريبًا في سوريا" باعتبارهم قادرين على قلب الوضع. وصرح أحد الموالين له، أحمد خاتمي: "المقاومة باقية وستستمر حتى يتم طرد أميركا من المنطقة" (فرارو، 17 كانون الأول - ديسمبر 2024).
لكنَّ الواقع مختلف تمامًا. فقد اعترف متحدث باسم أحد فصائل الحشد الشعبي، كتائب حزب الله: "الظروف حاسمة وتشكل مواقف الجماعات. إن الأمر لم يعد يتعلق بالشجاعة أو التهور" (الشرق الأوسط، 23 كانون الأول - ديسمبر 2024).
إقرأ أيضاً: الشباب الإيراني والهجرة: بين العقبات الحكومية والبحث عن فرص جديدة
إنَّ ما نقلته "الشرق الأوسط" عن المتحدث باسم الكتائب ومستشار رئيس الوزراء العراقي يعكس الحالة الهشة التي تعيشها القوى المتحالفة مع النظام الإيراني، والتي لم تعد قادرة على الحفاظ على دورها السابق حتى داخل العراق، خاصَّة أنَّ القوى التابعة للنظام في العراق، والمسؤولة عن الفساد والقمع والقتل، مكروهة من قبل الشعب العراقي. والآن بعد أن ضعف النظام بشدة، أصبح وجودها في خطر.
ووفقاً لزعيم جماعة حركة حزب الله النجباء، إحدى الفصائل الخاضعة لقيادة النظام في العراق، تم التوصل إلى اتفاق بين الميليشيات ورئيس الوزراء العراقي. وبموجب هذا الاتفاق، ستوقف هذه الجماعات العمليات العسكرية ضد إسرائيل وتلتزم الصمت بشأن التغييرات في سوريا. وأضاف: "لقد أعطتنا إيران حرية اتخاذ القرار بشأن القضايا المتعلقة بسوريا" (انتخاب، 23 كانون الأول - ديسمبر 2024).
وتكشف تصريحات المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية إسماعيل بقائي في 23 كانون الأول (ديسمبر) 2024، بأنَّ "الضغوط مستمرة على الحكومة العراقية لحل الحشد الشعبي"، وأنَّ "القرارات بشأن الحشد الشعبي تعود للعراقيين"، عن ضعف موقف النظام في العراق. فالنظام غير قادر على دعم وكلائه ولا يستطيع إلا أن يعرض اللجوء على بعضهم ممن فروا من العراق، مثل قيس الخزعلي، زعيم جماعة العصائب. وبحسب المتحدث باسم هذه الجماعة، فإن الخزعلي موجود في إيران منذ فترة وذهب إلى قم "لمواصلة دراسته الدينية" (الشرق الأوسط، 22 كانون الأول - ديسمبر 2024).
إقرأ أيضاً: خطاب خامنئي بعد الضربة: الخوف على النظام
إنَّ فقدان نفوذ النظام في العراق يمثل كارثة لا يمكن إصلاحها بالنسبة لخامنئي، حيث أكد مرارًا وتكرارًا على الأهمية الحيوية لـ"العمق الاستراتيجيّ" للنظام، قائلاً: "العمق الاستراتيجي يكون أحيانًا أكثر أهمية من الضروريات الأكثر أهمية للبلاد" (الموقع الرسمي لخامنئي، 2 تشرين الأول - أكتوبر 2019).
لقد انهارت هذه "الضرورة الأكثر أهمية" في سوريا، ومع وصول موجة الزلزال التحويلي هذه إلى العراق، يواجه خامنئي مصيرًا قاتمًا.