: آخر تحديث

سبتة ومليلية… احتلال التاريخ

3
3
3

في ركن هادئ من شمال إفريقيا، حيث يتداخل الأزرق العميق للبحر الأبيض المتوسط مع تراب المغرب العربي، تقع مدينتا سبتة ومليلية. مدينتان تعيشان حالة غريبة من الازدواجية، حيث تنتمي الأرض جغرافياً وثقافياً وتاريخياً للمغرب، لكن علم إسبانيا يرفرف فوقهما، في واحدة من أغرب صور الاحتلال في العالم الحديث.

الاحتلال الإسباني لسبتة ومليلية ليس مجرد صفحة منسية في التاريخ، بل هو جرح مفتوح يستمر في نزيفه عبر قرون. كيف لمدينتين مغربيتين أن تبقيا تحت السيطرة الإسبانية منذ القرن الخامس عشر وحتى يومنا هذا؟ هذا السؤال يتحدى كل القواعد الجغرافية والسياسية والتاريخية والأخلاقية أيضاً، فبينما استعادت العديد من الدول أراضيها المحتلة، ظلت سبتة ومليلية مثالاً صارخاً لعالم يعيد تعريف السيادة بأسلوب يخدم مصالحه الخاصة.

إقرأ أيضاً: الشمال السعودي: مستقبل التقنية وذاكرة الحضارات

منذ احتلال سبتة عام 1415 من قبل البرتغاليين، ثم انتقالها إلى السيطرة الإسبانية في 1668، ومليلية التي خضعت لإسبانيا منذ 1497، تحولت المدينتان إلى قواعد عسكرية واقتصادية تُستخدم لتثبيت قدم الأوروبيين في إفريقيا. هذه السيطرة تمثل احتلالاً لا يعتمد على القوة العسكرية فقط، بل على شرعية وهمية تُغلفها المصالح الجيوسياسية.

الجغرافيا تقول إنَّهما جزء لا يتجزأ من الأراضي المغربية. التاريخ يردد أنَّ وجودهما تحت السيادة الإسبانية ليس إلا امتداداً لعقلية استعمارية بالية تجاوزها الزمن، ومع ذلك تظل المدينتان في قبضة الإسبان، محميتين بقوة أوروبية تتقن اللعب على أوتار القانون الدولي، مستندة إلى اتفاقيات قديمة ومعاهدات لا تراعي حق الشعوب في تقرير مصيرها.

إقرأ أيضاً: الديمقراطية: وهم العدل في قفص الأغلبية

سياسياً، يظل هذا الوضع أحد أكثر الملفات تعقيداً في العلاقات المغربية الإسبانية. فالمغرب، الذي يناضل من أجل استعادة سيادته الكاملة على أراضيه، يواجه حائطاً أوروبياً مراوغاً يحمي مصالحه الاستعمارية في القارة السمراء، بينما العالم يغمض عينيه عن هذه القضية. سبتة ومليلية ليستا فقط رمزين للاحتلال، بل هما أيضاً نقطتا توتر استراتيجي، تُستغلان لتأكيد التفوق الأوروبي في منطقة حساسة من العالم.

استشرافياً ، يبدو مستقبل المدينتين معقداً ومفتوحاً على احتمالات متعددة. فمع تصاعد الدعوات المغربية لاستعادة المدينتين، ومطالبات الشعب المغربي التي لا تهدأ، يظل الحل مرهوناً بتغير الموازين الدولية. إذا استمر النظام العالمي في الانحياز للقوى الكبرى، فإنَّ الاحتلال قد يطول. لكن إذا وُضعت العدالة في قلب السياسة الدولية، فقد يصبح تحرير سبتة ومليلية عنواناً جديداً لنهاية حقبة الاستعمار إلى غير رجعة….

إقرأ أيضاً: لست مصاباً بعقدة العيون الملونة؟

احتلال سبتة ومليلية ليس مجرد مسألة جغرافية أو تاريخية؛ إنه اختبار للقيم الدولية، وتجسيد لفجوة بين ما يدّعيه العالم من دعم للسيادة، وما يمارسه من انتقائية تخدم الأقوياء. وبينما يحتفل الإسبان بعلمهم الذي يرفرف فوق المدينتين، تبقى الحقيقة أنَّ هذا الاحتلال ليس إلا ظلاً لعقلية استعمارية قديمة في عالم يُفترض أنه تجاوزها منذ زمن بعيد.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف