"قصر الدرعية" السعودي... سوف يتذكر العالم هذا الاسم جيداً، لكونه "المحطة الأولى" في رحلة وقف الحرب في أوكرانيا، التي بدأت ملامحها بالظهور من أرض الحرمين الشريفين.
تلك الملامح تشي بأنّ الثمن سيكون رأس الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بينما جائزة الترضية لكييف قد تكون الموافقة على انضمامها للاتحاد الأوروبي، الذي لم ترفضه موسكو يوماً. بل على العكس، فقد طرحته بديلاً من مطلب الانضمام إلى حلف الشمال الأطلسي (الناتو) وتعنّتت كييف في حينه، فوقعت بـ"فخّ" الحرب المدمرة.
فبعد أن انتهت، الثلاثاء الفائت، القمة الأميركية - الروسية شمال الرياض، أكد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، أنّ واشنطن ستبدأ العمل للتعاون مع موسكو من أجل إنهاء الحرب في أوكرانيا. روبيو شدد على أنّ الولايات المتحدة ملتزمة باستمرار التفاوض مع موسكو. كاشفاً أنّ إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب ستعيد تفعيل العمل الدبلوماسية مع موسكو.
روبيو كشف كذلك، أنّ وقف الحرب هو "في مصلحة الجميع، وخصوصاً القارة الأوروبية"، التي بدا قادتها متخبّطين بعد الاعلان عن بدء المحادثات الأميركية مع موسكو. فقد كشفت صحيفة "فايننشال تايمز" المباحثات الأميركية الروسية، أنّ الاجتماع الطارئ حول أوكرانيا، يوم الاثنين الفائت (قبل المحادثات بين واشنطن وموسكو بيوم واحد)، شهد خلافات حادة بين المشاركين، حيث اندلع نزاع بين الدول الأوروبية حول قرار إرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا.
فبينما اقترحت بريطانيا إرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا، ردت كل من ألمانيا وإيطاليا وبولندا وإسبانيا عن عدم رغبتها في ذلك. أمّا فرنسا فقدمت في المقابل اقتراحاً، يقضي بـ"نشر قوات عسكرية خلف خط التماس المستقبلي". لكن برغم ذلك وصف المستشار الألماني أولاف شولتس، مناقشة نشر القوات بأنّها "غير مناسبة تماماً"، نظراً لأن النزاع لا يزال مستمراً.
ولا تبدو المواقف الأوروبية موحدة حول نقطة محددة، إذ يشعر قادة دول القارة العجوز أنّهم تعرّضوا للطعن من إدارة الرئيس الجمهوري، الذي قرّر الذهاب إلى مفاوضات مع الروس منفرداً. وهو ما وضع الاتحاد الأوروبي في مشهدية مُحرجة، إذ بدا الاتحاد وكأنه "تجمّع هامشي"، غير قادر على فرض إرادته حتى على أقرب جيرانه، وعاجز عن تغيير المعادلات الكبرى التي ما زالت بيد اللاعبين الكبار مثل واشنطن موسكو.
إقرأ أيضاً: موسكو وسياحة رجال الأعمال
أمّا الكرملين فبدا أكثر ارتياحاً، حيث قال إنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جادّ بشأن التفاوض، وإنّ روسيا تفضل تحقيق كل أهدافها سلمياً. لكن الناطق باسم الكرملين ديميتري بيسكوف أكد أنّه من الضروري أيضاً وضع في الاعتبار تحدّي الشرعية المحتمل الذي يواجه زيلينسكي، وذلك في إشارة إلى بقاء الرئيس الأوكراني في السلطة رغم انتهاء مدة رئاسته بسبب خضوع البلاد للأحكام العرفية... وهي إشارة إلى احتمال استبداله بـ"رئيس محايد"، مثلما كانت تطالب موسكو منذ ما قبل الحرب.
وعن انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد الأوروبي، أكد بيسكوف أنّ هذا القرار هو "حقّ" سيادي لها إذا أرادت، لكن موسكو لها موقف مختلف عندما يتعلق الأمر بالانضمام إلى تحالفات عسكرية.
ومن المرجح أن ترفض الدول الأوروبي انضمام أوكرانيا إلى الاتحاد. لأنّ هذا القرار بعد الحرب يعني أن أوروبا ستتحمل وزر إعادة إعمار البلاد التي ستكون فقد فقدت 20 بالمئة من مساحاتها لصالح موسكو، بموافقة ضمنية أميركية.
وعليه، تكون القارة العجوز قد شاركت في مدّ أوكرانيا بالأموال والسلاح على مدى أكثر من سنتين، ثم خرجت من تلك الحرب في نهاية المطاف خاسرة مرتين:
المرة الأولى، عندما قدمت الأموال والأسلحة واستقبلت اللاجئين الأوروبين نتيجة حرب فُرضت عليها بإرادة أميركية (إدارة جو بايدن).
المرة الثانية، عندما وافقت على ضمّ أوكرانيا المدمّرة إلى الاتحاد الأوروبي بلا أيّ ثمن.
إقرأ أيضاً: الوصاية التركية "المتعجرفة" تغضب شركاءها في آسيا الوسطى
وعليه، فإنَّ خيار موافقة الاتحاد الأوروبي على ضم أوكرانيا إلى الحلف يبدو لكل ما سبق ذكره غير وارد. لكن الأمر الأكيد هو أنّ موسكو خرجت من حرب "عضّ الأصابع" التي دامت بأكثر من سنتين، منتصرة: حققت ما تريده، وإن كان بأثمان بشرية باهظة من الطرفين، لكنها في المقابل استطاعت:
- أن تُبعد حلف "الناتو" عن أراضيها واستوعبت من جديد ساكني الأراضي الأوكرانية الناطقين باللغة الروسية.
- أن تؤكد للعالم أنّ خيار الحرب الذي انتهجته إدارة جو بايدن الديمقراطية كان خاطئاً بالكامل، ولم يأتي على القارة الأوروبية والعالم إلاّ بالدمار والخراب.
- ان تعيد أعادت وصل ما انقطع مع واشنطن دبلوماسياً اليوم، وربما غداً سياسياً واقتصادياً، بوصفها "القطب المقرّر" في هذا العالم.
هل فهمت الدول الأوروبية تلك الرسالة القاسية؟... ربما الأيام تحمل إلينا الإجابات الشافية.