: آخر تحديث

اللقطاء الأفارقة… مشروع إيران السري

7
6
5

منذ أن استلم الخميني الحكم في إيران عام 1979، لم يكن هدفه فقط السيطرة على الداخل الإيراني، بل وضع استراتيجية تتجاوز حدود بلاده، تبدأ من إفريقيا وتنتهي في الحسينيات الإيرانية، بعيداً عن الخطابات والشعارات عمل النظام الإيراني على مشروع سرّي طويل الأمد، أكثر خطورة مما يمكن تخيله: جمع اللقطاء من دور الأيتام في إفريقيا وتحويلهم إلى أدوات لخدمة مشروع التشيّع الفارسي.

في الثمانينيات، أطلقت المؤسسات الدينية في إيران، بإشراف مباشر من مكتب المرشد الأعلى، حملة ممنهجة لجلب الأطفال الأيتام من دول إفريقية مثل نيجيريا، السنغال، ساحل العاج، وتنزانيا إلى إيران. المئات من الأطفال تم تهريبهم تحت ستار المساعدات الإنسانية، لكن الهدف كان أبعد من ذلك بكثير.

بمجرد وصولهم إلى إيران، خضع هؤلاء الأطفال لبرنامج إعادة تشكيل كامل لهويتهم. تم تحويل مذهبهم إلى الشيعة وتعليمهم اللغة الفارسية جنباً إلى جنب مع لغاتهم الإفريقية الأم، مع إدماجهم في نظام تعليمي ديني صارم في مدينتي قم وطهران.

في المرحلة التالية، خضعوا للتجنيد العسكري المنظم. بعد سنوات من الدراسة الفقهية، لم يقتصر التدريب على الجانب الديني فقط، بل تم إعدادهم عسكرياً ضمن برامج تدريب مكثفة يشرف عليها الحرس الثوري الإيراني. يتعلم هؤلاء الشبان القتال بأسلحة خفيفة وثقيلة، تقنيات حرب الشوارع، والتفجيرات التكتيكية.

إقرأ أيضاً: أسرار الفاتيكان: بين صرح الإيمان ودهاليز المال

بمجرد إتمامهم مراحل التدريب، يتم تصنيفهم إلى مجموعات مختلفة: الدعاة، العناصر الأمنية، والمقاتلين المستعدين للانتشار في مناطق الصراع. تم إرسال العديد منهم إلى مناطق الصراع في سوريا والعراق واليمن، حيث قاتلوا ضمن صفوف فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.

أخطر هذه المجموعات يُطلق عليها (الحرس الثوري الإفريقي) هذه المجموعات تتكون من الأفارقة المدربين في إيران، والذين يتم توجيههم للقيام بمهام مزدوجة: نشر التشيع الفارسي والعمل كقوات ميدانية تابعة لإيران في أي صراع إقليمي.

في سوريا، لعبت هذه العناصر دوراً بارزاً في المعارك بجانب قوات الأسد، خاصة في المناطق الجنوبية والحدودية. في اليمن، انضم عدد منهم إلى صفوف ميليشيات الحوثي، حيث تم توثيق مشاركتهم في العمليات العسكرية ضد الحكومة اليمنية.

لكن الأخطر من ذلك هو عودتهم إلى إفريقيا بعد اكتسابهم خبرة قتالية هائلة، حيث أصبحوا قادة ميليشيات محلية في دول إفريقية مثل نيجيريا ومالي وتنزانيا. هؤلاء القادة ينفذون أجندة إيرانية تهدف إلى إثارة الاضطرابات وبناء مليشيات شيعية تابعة لطهران في إفريقيا، مما يخلق بيئة خصبة لزيادة النفوذ الإيراني العسكري والسياسي.

إقرأ أيضاً: هل نقترب من مرحلة توجيه العقول؟

الأرقام تشير إلى أن أكثر من 10000 شاب إفريقي تم تجنيدهم ضمن هذا البرنامج على مدار العقود الماضية. في عام 2022 وحده، تم إرسال 200 مقاتل إفريقي إلى سوريا لتعزيز صفوف الميليشيات المدعومة من إيران.

التمويل السخي من مكتب المرشد الأعلى مكّن هؤلاء المقاتلين من تأسيس خلايا نائمة في بلدانهم الأصلية. هذه الخلايا لا تنفذ عمليات قتالية فحسب، بل تعمل على تجنيد المزيد من الأطفال الأيتام والشباب المحرومين من التعليم والفرص الاقتصادية، تحت وعود بالحصول على منح دراسية وفرص عمل في إيران.

اليوم، يتمتع (الحرس الثوري الإفريقي) بنفوذ متزايد في العديد من الدول الإفريقية. في نيجيريا، ظهرت ميليشيات محلية شيعية مسلحة تعمل تحت مظلة الحسينيات المدعومة من إيران، بينما في تنزانيا ومالي، ظهرت تقارير عن تدريبات عسكرية في مناطق نائية تحت إشراف قادة تلقوا تدريبهم في طهران.

إن التحالف بين الجانب الديني والعسكري في هذا المشروع يخلق واقعاً خطيراً يصعب مواجهته، لأنه يتغلغل في المجتمعات من الداخل، مستخدماً الدين كغطاء لبناء قوات عسكرية محلية مرتبطة بإيران فكريًا وعقائديًا وعسكريًا.

ما يجعل هذا المشروع مرعباً هو استمراريته عبر أجيال متعاقبة. يتم تجنيد الجيل الأول ليعود إلى إفريقيا، حيث يتزوج وينجب أطفالاً يُعادون بدورهم إلى إيران ليتم تدريبهم بنفس الطريقة. النتيجة هي إنتاج أجيال متلاحقة من المقاتلين والدعاة، الذين يشكلون في نهاية المطاف جيشاً غير معلن لإيران داخل إفريقيا.

السؤال الذي يفرض نفسه الآن: هل ستتمكن الدول الإفريقية من إدراك خطورة هذا المخطط والعمل على تفكيكه قبل فوات الأوان؟ وهل ستبادر إلى مواجهة هذا التغلغل الذي يهدد أمنها القومي من الداخل، قبل أن يصبح الحرس الثوري الإفريقي قوة مؤثرة في قلب القارة؟


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في كتَّاب إيلاف