لا شك أنَّ المؤتمر الدولي السنوي التاسع لمركز دراسات الخليج، الذي نظّمه مركز دراسات الخليج بجامعة قطر بالتعاون مع جامعة واسيدا اليابانية، والذي شارك فيه باحثون وأكاديميون من الخليج ومن دول أخرى عدَّة، يُعَد ملتقى أكاديميًا مهمًا يناقش قضايا وملفات ساخنة ومتنوعة، مما يُثري الساحة العلمية والثقافية بما يحتاجه الباحثون والأكاديميون، وخاصة في هذه الأوقات التي تتلاطم فيها الأمواج الجيوسياسية والأزمات العالمية وتندر فيها الحلول الناجعة.
لكن كنت أتمنى، كمتابع ومهتم بقراءة الشأن السياسي، أن يكون المؤتمر أكثر شمولية من ناحية حلقاته أو محاوره، إن صح التعبير. لست متحفظًا على المواضيع التي نوقشت بقدر اهتمامي بجانبين لم يتطرق لهما المؤتمر بشكل واضح، وفي رأيي هما مهمان جدًا ويرتبطان بشكل مباشر بالاستقرار الأمني والاقتصادي في المنطقة، ولا يقلان أهمية عن حرب غزة ولبنان.
"التطبيع العربي الإسرائيلي" هو موضوع مهم وحساس، وينقصه الكثير من تسليط الضوء. وحتى نصبح أمة فعالة، يجب أن نواجه بعض قضايانا بكثير من الصراحة والوضوح: ماذا سنستفيد من التطبيع؟ وما الذي سنخسره؟ عادةً، وجهات النظر المتنوعة تفتح الأفق وتعين القادة على تحديد أهدافهم.
إقرأ أيضاً: دموعك غالية يا لبنان
الأمر الثاني الذي لم أجد من يخوض فيه في هذا المؤتمر هو "التهدئة السعودية الإيرانية" ومدى تأثيرها في المنطقة من كل النواحي. حجم الإيجابيات التي لمسناها في هذا الاتجاه كثيرة. تحرك الدولتين في اتجاه واحد لحل قضية معينة يرفع من حالة الهدوء السائدة بين الطرفين. فالسعودية دولة مهمة ومحورية في المنطقة، وكذلك إيران. هذا التقارب والهدوء يعطي مؤشرات إيجابية لمستقبل جيد في المنطقة.
ولكي أكون مُنصفًا كقارئ "مستقل"، أقول وبكل أمانة إنَّ المواضيع المقدمة في هذا العنوان الاستشرافي ذات بعد استراتيجي هام، لا سيما وأن انعكاساتها على المنطقة لا تقتصر فقط على الجانب الاقتصادي وإنما تشمل الجانب الأمني بمفهومه الشامل.
إقرأ أيضاً: هل أصبح لإسرائيل قوة "أقلام" ناعمة عربية؟
وتمثل الأسماء المشاركة قامات فكرية واستراتيجية تقدم خلاصة خبراتها في مجال تخصصها، وتضفي على المؤتمر مزيدًا من الجودة والنجاح. وإن السعودية وقطر لاعبان دوليان ولهما ثقلهما السياسي والاقتصادي المؤثر في الساحة الدولية بما يخدم المصالح المشتركة. والأهم أن الدول دائمة العضوية في الأمم المتحدة تنظر لهما بعناية قبل اتخاذ أي خطوة أو قرار عام، وخاصة ما يهم منطقة الشرق الأوسط.