كان فوز دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية الأميركية مفاجئًا للنظام الإيراني، الذي كان يتوقع انتصار الحزب الديمقراطي، بل كانت بعض التقارير الاستخبارية تتحدث عن دور النظام في عمليات القرصنة السيبرانية ضد حملة ترامب الانتخابية لصالح الحملة الديمقراطية، فضلاً عن نشاطات معادية أخرى. هذا الفوز غير المتوقع أثار حالة من القلق والتوتر بين المسؤولين والقوات التابعة للنظام، خشية على مستقبله.
على مدار الأسبوع الماضي، حاول قادة الحرس الثوري ورجال الدين الموالين للنظام التخفيف من حدة المخاوف في صفوف القوات الموالية، عبر خطب تهدف إلى رفع الروح المعنوية، مشددين على عبارات مثل: "لا تخافوا ولا ترتجفوا".
في الأوساط الداخلية للنظام، تصاعدت حدة الانقسامات والخلافات؛ فمن جهة تيار يطالب بالتصعيد عبر تسريع إنتاج السلاح النووي، وتوسيع الحروب الإقليمية، وتعزيز دعم القوات الوكيلة للنظام. في المقابل، يدعو آخرون إلى نهج مختلف، يتضمن لجم التصعيد ووضع أسس تسوية مع الإدارة الأميركية الجديدة، ووقف الحروب الخارجية، ويشيرون إلى أنَّ تفاقم الأزمات الداخلية وتصاعد الغضب الشعبي قد يؤديان إلى انتفاضة داخلية تهدد بقاء النظام.
المرشد علي خامنئي يواجه لحظة مصيرية، حيث يحذر خبراء النظام من أن جميع الخيارات المتاحة تنطوي على مخاطر جسيمة؛ فإذا قرر التراجع عن إشعال الحروب الإقليمية، سيخسر أحد أعمدة بقائه، مما يضعف النظام داخليًا ويفتح المجال أمام انتفاضة شعبية. أما إذا استمر في نهجه الحالي، فسيواجه ضغوطًا متزايدة على شكل عقوبات وحروب تُنهك النظام وتُضعف قدرته على التحمل، مما يخلق بيئة خصبة لانتفاضة محتملة.
ويشير الوضع الراهن إلى أنَّ الضغوط الدولية والمحلية ستتفاقم، مما يزيد من عمق الأزمة الداخلية ويضع النظام في مواجهة خيارات كارثية. وأكثر ما يقلق قادة النظام هو زيادة احتمالات الانتفاضة الشعبية، إذ يرى خبراء أن الأوضاع الداخلية أشبه بقنبلة موقوتة، مع تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية.
معدلات الفقر والغلاء ترتفع بشكل ملحوظ، وقد شهدت أسعار المواد الأساسية، بما في ذلك الخبز، زيادات كبيرة في مختلف المدن الإيرانية. وفي ظل هذه الظروف، أعلنت الحكومة عن قطع الكهرباء يوميًا لمدة ساعتين بسبب عجزها عن توفير الإمدادات اللازمة. ورغم امتلاك إيران ثاني أكبر احتياطي للغاز الطبيعي في العالم، فإنَّ نقص الوقود في محطات الطاقة يعزى إلى تصدير الغاز للدول الأخرى لجلب العملات الصعبة، التي تُنفق إما على قوات النظام الوكيلة أو على إشعال الحروب الإقليمية وقمع الداخل.
إقرأ أيضاً: خامنئي والحداد ثلاثة أيام على سليماني وخمسة على نصرالله
الميزانية الجديدة التي قدمتها الحكومة إلى البرلمان كشفت عن زيادة كبيرة في الإنفاق العسكري، حيث تم تخصيص ثلاث أضعاف المبلغ السابق لهذا القطاع، بينما تواصل أسعار السلع الأساسية الارتفاع يوميًا، مما يعمق معاناة المواطن الإيراني.
في الوقت نفسه، شهدت إيران الأسبوع الماضي احتجاجات متواصلة في مدن مختلفة، شارك فيها ممرضون ومعلمون وعمال ومتقاعدون، عبروا عن غضبهم من تدني القيمة الشرائية للأجور. يعيش معظم هؤلاء في ظروف اقتصادية قاسية، حيث لا تكفي رواتبهم لتغطية الحد الأدنى من احتياجاتهم الأساسية. خلال الاحتجاجات، رفع المتظاهرون شعارات مثل: "كفى إشعال حروب.. موائدنا خاوية".
إقرأ أيضاً: خلافات في عقر دار الملالي
ومن الملفت للنظر بصورة غير مسبوقة، ارتفاع هائل لعدد الإعدامات التي ينفذها ويعلنها النظام الإيراني، حيث سجلت الإعدامات رقماً قياسياً بلغ 466 إعدامًا خلال المئة يوم الأولى من رئاسة مسعود بزشكيان.
كما صادفت الأيام الماضية الذكرى الخامسة لانتفاضة عام 2019، ما دفع النظام إلى رفع حالة التأهب القصوى في مختلف المدن. وحديثاً، نشر النظام 13 ألف عنصر من الشرطة و19 ألفًا من قوات الحرس الثوري والباسيج في شوارع طهران لمنع أي محاولات للتجمع أو الاحتجاج.