الزلزال السوري يبدو أنه لم ولن ينتهي عند سقوط نظام الإجرام الأسدي، بل يبدو أن هناك هزات ارتدادية لهذا الزلزال يمكن أن تكون أقوى بكثير من الزلزال نفسه، لنكتشف أن سقوط الأسد وعصابته الهاربة من دمشق هو الفصل الأول من فصول المسرحية التي لا أحد يعرف فصلها الأخير إلا من خطط ورتب ونفذ الفصل الأول منها بنجاح. وبالرغم من الفترة الزمنية الطويلة التي استغرقها الوصول إلى نهاية الفصل الأول، إلا أن الهدف الأسمى لدى أصحاب القرار في العالم هو أكبر بكثير من إسقاط نظام خدم العالم كله واستُخدم كأداة إجرامية تنفذ خطط المجتمع الدولي في المنطقة بدقة دون أي اعتبار لمصلحة الدولة السورية والشعب السوري، وكان همهم البقاء في السلطة فقط ولو على حساب جماجم السوريين ومعاناتهم من ظلم فئة إجرامية فاق إجرامها حتى عصابات المافيا في التاريخ البشري.
إنَّ ما حدث منذ السابع والعشرين من الشهر الثاني عشر من العام المنصرم ويحدث الآن في سورية يدل على أن سورية أمام استحقاق يمكن أن يغير جغرافيتها الجيوسياسية، والسؤال هل يجري العمل على تقسيم سورية؟ وكيف يتم ذلك؟ وللإجابة على هذا السؤال لا بدَّ أن نعترف من خلال الكثير من المعلومات المسربة والتصريحات العلنية وغير العلنية والاصطفافات والمجاميع التي جيء بها إلى حكم سورية والجهات التي تدير اللعبة عن قرب أن هناك للأسف مخطط لتقسيم سورية وهناك جهات تعمل على هذا المخطط بشكل واضح ومباشر وجهات أخرى يمكن أن نعتبرها أدوات تعمل بعلم أو بدون علم، ومن وجهة نظري المتواضعة أرى أن ما يهمني الشعب السوري بكل مكوناته العرقية والدينية والقومية وأتمنى كغيري من السوريين أن نعيش جميعاً تحت سقف وطن واحد وقيادة وطنية موحدة، وإذا تعذر الأمر، بسبب القرار الدولي الإقليمي على رأسه الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، فلا مانع من الفيدرالية أو الكونفدرالية إن كانت تلبي طموحات الشعب السوري وتطلعاته بالعيش المشترك كل في مكانه وتحت القيادة التي ينتخبها والتي يجب أن تكون تحت مظلة قيادة سورية لا مركزية ويمكن أن نطبق ما تنتهجه أنظمة الحكم في أوربا مثل ألمانيا والتي تحكم بفدراليات وهذا لا يعني أن ألمانيا مقسمة، وأيضا الولايات المتحدة الأميركية هي كونفدراليات أي دول متحدة مع بعضها بدولة واحدة، وفي حالتنا السورية إن أُرغمنا على الفيدرالية فيجب أن يكون لدينا وعي وديموقراطية وتقبل للآخر وللأسف لدينا تَجْرِبَة غير ناجحة في العراق الشقيق نتيجة إصرار أكراد العراق اعتبار أنفسهم مستقلين عن الدولة العراقية بعد أن أصبح لديهم جيش وبرلمان خاص وحكومة، وهذا ما زال يسبب الكثير من المناكفات والمشاكل بين الدولة العراقية وحكومة بغداد المركزية وبين أربيل ناهيك عن الديموقراطيات والحريات في كردستان العراق بالرغم من استقرار الوضع المعاشي للمواطنين هناك إلا أنهم يرزحون تحت حكم عائلتين في السليمانية وفي أربيل والمستفيد هم من يعمل مع تلك العائلات وفي كنفها، وبهذا نرى أن توزيع الثروة والحريات في الإقليم بناء على الفيدرالية المطبقة بالعراق لم تؤمن للشعب في تلك المنطقة كل ما يريدون، وأيضا الخلافات بين الحكومة في بغداد وحكومة أربيل بسبب التدخلات الخارجية فحكومة بغداد أداة طيعة في يد الإيراني واربيل تحتضنها تركيا وأميركا، وكلنا نعرف ما جرى ويجري بين أميركا وتركيا وإيران، وهذا ينعكس بشكل مباشر على توتر دائم بالعلاقات بين السلطة المركزية في بغداد وحكومة أربيل، ومن هنا يمكن أن يطبق على سورية الفيدراليات لكن تقسيمها شبه مستحيل على الأقل في المدى المنظور بالرغم من إعلان إسرائيل جهاراً نهاراً أنها تريد تقسيم سورية إلى أربع دول جنوب وساحل ووسط وشمال شرق وهذا لن يتقبله السوريون بالمطلق، لكن إن استمر الوضع في الحكم على ما هو عليه اليوم يمكن أن يجرنا السيد أحمد الشرع إلى التقسيم الفيدرالي بقصد أو دون قصد والله وحده أعلم بالنوايا، لأن تقسيم سورية حسب ما طرحه الإسرائيليون من شبه المستحيل تحقيقه لأن كل جزء من الأجزاء المقترحة في التقسيم لا يمكن أن يعيش لوحده وهنا يمكن أن نشاهد نظام حكم فيدرالي إن كان سيئاً أم جيداً وهذا يعتمد على قدرة الوعي السياسي لدى كافة مكونات الشعب السوري.
إقرأ أيضاً: مستقبل الصراع في البحر الأحمر
وإذا أخذنا مثالاً على إحدى المناطق التي يمكن أن تطالب بالانفصال عن سوريا أو تريد تطبيق الفيدرالية فالسويداء خير مثال، فالشعب السوري في السويداء هل طموحهم العيش مع إسرائيل أو الانضمام إلى الأردن؟ بالطبع لا، بل هم يرغبون البقاء ضمن سورية، لكن ليس تحت حكم هيئة تحرير الشام، وهذا هو السبب الحقيقي لمواقف البعض منهم، بالرغم من تأكيد القيادة السورية الجديدة حل هيئة تحرير الشام وتعيين الشرع رئيساً لسورية، لكن الهيئة وفكرها وشخوصها ما زالوا يحكمون بنفس عقلية التنظيمات الراديكالية كالسلفية الجهادية والإخوان المسلمين، ويبدو أن التنظيمان يسيطران على جزء كبير من مفاصل الدولة السورية والتعاون الوثيق بينهما أصبح واضحاً للعيان، ويمكن أن يكون هذا من خلال مشغلي الإخوان المسلمين وداعميهم والذين لهم دوراً محورياً الآن في هندسة الدولة السورية، وإذا استطاع المجتمع الدولي والعربي التأثير على حكام دمشق الجدد لفرض حكومة تكنوقراط من مختلف مكونات الشعب السوري ومن أصحاب الكفاءات العلمية والخبرة الدولية يمكن أن نؤكد أننا في الطريق الصحيح في بناء الدولة السورية الموحدة على كامل أراضيها بقيادة وطنية مركزية وهذا يعتمد على صدق النوايا ومقارنة الأقوال بالأفعال وإن إستمر الأمر كما هو عليه الآن سيفقد الشرع ثقة الكثير من السوريين الذين أيدوه بعد عملية إسقاط القتلة الجاثمين على صدور السوريين طوال خمسة عقود ونيف، فكلما تأخر تنفيذ التعددية ومشاركة السوريين في الحكم كلما اضمحلت فرص بقاء الشرع وطاقمه المحصن من هيئة تحرير الشام وعناصر من الإخوان المسلمين، وأخشى أن يكون هناك تيار داخل هيئة تحرير الشام يسعى إلى التقسيم من خلال قبوله بحكم المناطق السنية فقط وهذا حسب اعتقاده يكفيه، وهذا يمكن أن نلاحظه من خلال خريطة أصدرتها وِزَارَة الداخلية السورية الجديدة والتي تتعلق بأمور جوازات السفر والتي تُظهر ألوان مناطق قسد الموزعة على الخريطة بألوان تختلف عن بقية المحافظات السورية ولم يتم ذكر اسم محافظات الساحل والقنيطرة والسويداء على نفس الخريطة وتحديد مناطق الكتلة الصلبة من السنة هي فقط من يحق لها استخراج جوازات سفر فمن وضع الخريطة وكانه يريد إرسال رسالة ما للشعب السوري وقبلها للغرب وهذا هو الخطير في الأمر سواء كان بقصد أم بدون قصد.
إقرأ أيضاً: هكذا سقط جيش الأسد
إنما يجري على الجغرافيا السورية يبدو أنه صراع نفوذ وليس صراع حدود فحاكم دمشق السيد احمد الشرع يدرك تماما أن أصحاب القرار في سورية هم الأمريكان وإسرائيل وان باقي الدول تلعب أدواراً ثانويةً تحاول من خلالها أن تقتطع من الكعكة السورية ما يخدم مصالحها وإن استطاع الشرع تحقيق التوازن في علاقاته بين محوري الصراع على سورية الأتراك والقطريين من جهة والعرب والأوربيين من جهة أخرى يمكنه أن يستمر إلى حين تنفيذ المخطط الأمريكي في المنطقة وإنشاء شرق أوسط جديد يعتمد على تقسيم المقسم وتجزئة المجزأ، وأعتقد أن هذا لن يحدث نتيجة الأخطاء الكارثية التي تحصل على الأرض ونتيجة قناعة الكثير من السوريين أن أصحاب قرار إسقاط الأسد وتنصيب عناصر من تنظيم راديكالي له أسبابه الوجيهة وأهمها ليكون ذريعة للأقليات للمطالبة بتقسيم سورية فهل يعي السيد أحمد الشرع ما خُطط لبلده ويقوم بقلب الطاولة على الجميع ويخرج من عباءة الجميع ويمد يده لكل السوريين حفاظا على الشعب السوري ووحدة أراضيه وإن فعل سيدخل التاريخ السوري من أوسع أبوابه.