: آخر تحديث

عودة أطفال الحجارة.. هل ينهض جيل جديد ليهز الاحتلال؟

1
1
1

في زقاق ضيق من رام الله، كان يقف يوسف، ابن الثانية عشرة، يمسك حجرًا بحجم قبضته، عيناه تلمعان بتحدٍ لا يعرف الخوف. عام 1987، كانت حجارته ورفاقه سيوفًا تقاوم دبابات الاحتلال، فهزت العالم وأرغمت إسرائيل على المفاوضات. اليوم، يجلس يوسف، وقد شاب شعره، ينظر إلى أرضه المسلوبة، مستوطنات تبتلع الضفة، وغزة تنزف تحت الحصار. الحكومة الفلسطينية عاجزة، تعيش على مسكنات المساعدات، وجماعات المقاومة، بالرغم من شجاعتها، تتشتت في صراعاتها، تاركة 80 بالمئة من فلسطين تحت سيطرة المحتل. لكن في عيني حفيده الصغير، يرى يوسف شرارة الأمل. هل حان الوقت ليعود أطفال الحجارة، بدماء شابة حيوية، ليوقظوا العالم ويستعيدوا أرضهم من النهر إلى البحر؟

قبل ثمانية وثلاثين عامًا، كانت الحجارة في أيدي أطفال فلسطين سيفًا يقطع جبروت الاحتلال. في انتفاضة الحجارة (1987 - 1993) وقف جيل شاب، بقلوب مشتعلة وحفنة صخور، أمام دبابات إسرائيل، فأرغموها على التراجع. بحجارة لا تتجاوز طنًا، أجبروا العالم على رؤية قضيتهم، ودفعوا المحتل إلى توقيع اتفاقيات أوسلو عام 1993، التي أسست السلطة الفلسطينية ومنحت فلسطين مقعدًا في الأمم المتحدة. لم يتجاوز عدد الشهداء ألفًا و500 شهيد، لكن إرادة شعب أعزل هزت ضمير العالم، وأعادت الأمل إلى الملايين. اليوم، الصورة تنزف ألمًا. مع وجود حكومة فلسطينية وعشرات الجماعات المقاومة، مثل حماس والجهاد الإسلامي، التي ترفع راية القدس، خسر الفلسطينيون 80 بالمئة من أراضيهم منذ 1948. منذ 1967، استولت إسرائيل على 700 ألف دونم في الضفة الغربية عبر مستوطنات غير شرعية. في 2024، هُدمت نحو ألفي مبنى فلسطينيًا في الضفة، مما أدى إلى تهجير نحو 5 آلاف شخص، أعلى رقم منذ 2009، وفق الأمم المتحدة. في غزة، دُمر 70 بالمئة من البنية التحتية منذ تشرين الأول (أكتوبر) 2023، مع استشهاد أكثر من 47 ألفًا، 70 بالمئة منهم نساء وأطفال. حماس، التي قادت هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023، أعلنت أنه رد على الاحتلال، لكنه أودى بحياة 1200 إسرائيلي، وأعقبه رد دمر غزة وحاصرها. المستوطنات تضاعفت بـ43 مستوطنة جديدة في 2024، حسب منظمة "السلام الآن". لماذا، مع أطنان الصواريخ، تتقلص الأرض وتكبر الخسائر؟ لأن الحكومة الفلسطينية وجماعات المقاومة، بالرغم من شجاعتهم، باتوا عاجزين عن تغيير الواقع. الحكومة مترهلة، مريضة، تعيش على مسكنات المساعدات الدولية، والفصائل مشتتة بأجندات متضاربة، فلا هم استعادوا أرضًا ولا حموا شعبًا. فلسطين بحاجة إلى دماء جديدة، شباب يفكر بعفوية ويتحرك بحيوية دفاعًا عن أرضه، لا قيادات مرهقة تتكئ على الشعارات.

انتفاضة الحجارة كانت شعبية، موحدة، قادها أطفال ونساء بلا فصائل أو تعقيدات سياسية. الحجر كان رمزًا للصمود، صرخة أحرجت إسرائيل عالميًا. اليوم، المقاومة المسلحة، بالرغم من بطولتها، تستنزف الأرواح دون استعادة دونم واحد. فلماذا لا نستدعي أطفال الحجارة؟ ليس لرمي الصخور وحدها، بل لإحياء روح الوحدة والعفوية. تخيلوا جيلًا شابًا، يحمل الحجر كتحدٍ، يقف أمام المستوطنات، ويواجه الاحتلال بصمود يهز العالم. هذه المقاومة السلمية، التي تجمع الشباب والنساء، قد تعيد القضية إلى الإعلام الدولي، كما فعلت الانتفاضة الأولى. لا يعني هذا التخلي عن الحق في المقاومة المسلحة، المكفول بقرار الأمم المتحدة 45/130 عام 1990، لكن الشباب الحيوي يمكن أن يحرك ساكنًا. في 2024، أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أوامر اعتقال ضد نتنياهو ووزير دفاعه بتهم جرائم حرب، انتصار دبلوماسي يمكن البناء عليه. الحكومة الحالية يجب أن ترحل، تاركة المجال لدماء شابة، نشيطة، لا تعيش على الدواء والمسكنات. فلنعِد أطفال الحجارة، ليجعلوا الحجر صوتًا يهتف: فلسطين لنا، من النهر إلى البحر.

 


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.