محمد الرميحي
رحب الخيرون في البلاد العربية وخارجها بالتغيير الذي حدث في آخر العام الماضي في سوريا، لا لشيء إلا لأن النظام السابق قام بالبطش بشعبه بطرق بربرية، وأسقط على المدن والبلدات والقرى وابلاً من البراميل المتفجرة، وأدخل عشرات الآلاف إلى سجون من يدخلها يعرف أنه لن يخرج منها، حيث التعذيب والقهر، ومن جهة أخرى عصف بالحد الأدنى من التعاون العربي، ورغم كل الجهود الخيرة التي بذلت لتعويمه إلا أنه أصر على غيه، كان ذلك النظام هو ليس أكثر من عصابة حاكمة.
لتلك الأسباب، وغيرها استبشر كثيرون بقدوم النظام الجديد، وقد خطا خطوات إيجابية كثيرة في المجال العربي، وأيضاً على المستوى الداخلي والدولي.
إلا أنه من المؤكد أن تغيير الأنظمة يفتح شهية القوى المختلفة للتسابق باتجاه القبض على السلطة، لقد رأينا ذلك في ليبيا، وأيضاً رأيناه في اليمن، وفي العديد من الدول التي يسقط فيها النظام القديم.
ربما سقوط النظام القديم أسهل نسبياً من بناء نظام جديد، لذلك فإن الحديث مع الإخوة السوريين في نظامهم الجديد، يتوجب أن يكون حديثاً صريحاً.
لا أحد يستطيع أن ينسى بأن القوى التي وصلت إلى السلطة في سوريا كان لها تاريخ من التشدد، وهذا هو ما يخيف، أو على الأقل يجعل من الآخرين غير متأكدين من التوجهات الجديدة، وقد بدأ النظام الجديد خطوات مهمة في طريق تهدئة المخاوف، إلا أن هناك بعض قضايا واجبة الاهتمام، وعلى رأسها ضبط السلطة العسكرية، وجعلها خاضعة للقرار السياسي، وليس لأفراد لهم وجهة نظر سياسية أو أيديولوجية للتعامل مع بقية الشعب السوري، وكذلك تخليص جسمها من غير السوريين.
ما حدث في الساحل السوري منذ أسابيع، وما حدث الأسبوع الماضي مع شريحة مهمة من شرائح المجتمع السوري، يدل على أن القرار العسكري على الأقل والأمني ما زال يشكل مشكلة للنظام الجديد، فقد انطلقت شرارة الفتنة في العمليات الأخيرة مع بعض الإخوة الدروز، بسبب ما قيل أن أحداً ما قد تلفظ على رمز إسلامي، ومهما كانت الأسباب، فإن ضبط النفس هنا مقدم كثيراً عن أي ثأر قد يتكون لدى البعض، وكان من الضروري أن تترك أدوات الدولة تتعامل مع ذلك الخروج اللفظي، إن صح، لا أن تتخذ قرارات أمنية وعسكرية دون تفكير في النتائج.
لا أحد يلوم النظام الحالي السوري، لأن ما يواجهه هو الكثير من الصعاب، وذلك من طبيعة الأشياء، إلا أن المطلوب هو رسم أولويات واضحة المعالم، وخاصة باتجاه عدد من الأقليات التي من الواجب أن تشترك في مستويات القرار المختلفة، التي تتخذ في سوريا اليوم، ربما يكون ذلك الأمر صعباً على البعض، ولكنه ضروري من أجل بناء سوريا في المستقبل.
أن تترك الأمور كما هي فقد تؤدي إلى تدهور حاد في الأمن السوري، وبالتالي تعريض الأمن في المنطقة إلى الكثير من المصاعب، التي لا يريدها أحد في هذا الوقت الذي يحمل الكثير من اللا يقين على المستوى الإقليمي وعلى المستوى العالمي.
لقد نشط عدد من الدول العربية في دعم النظام السوري الحالي، وهي محقة في فعل ذلك، إلا أن خطوات داخلية من الواجب أن تتخذ، وتقع على عاتق متخذ القرار في دمشق، ولا ينظر لبعض المطالب الدولية أو الإقليمية، على أنها مطالب معادية، هي مطالب تستحق النظر فيها، وفي زمن قصير، من أجل تهدئة الوضع الداخلي السوري، وبدء البناء الاقتصادي والسياسي الذي تحتاجه سوريا اليوم. لا شك أن هناك قوى لا تريد لسوريا الاستقرار والأمن والتنمية، ولكن علينا أن نفرق بين الأماني والعمل الفعلي في الساحة السورية، ووضع أولويات حقيقية ومقرونة ببرنامج زمني، يُعرف للكافة بخارطة الطريق القادمة، ذلك يساعد كثيراً لاستتباب الأمن، وزرع اليقين لدى المجتمع السوري، وفي الجوار أيضاً.