: آخر تحديث

باب: سمك لبن تمر هندي

3
3
2

محمد ناصر العطوان

لقد دخل الحابل في النابل، والمسجد في الكنسية، والعمامة في القبعة، وذلك عبر مدربي ومستشاري العلاقات الزوجية المتأثرين بالمجلات الفرنسية الصادرة عام 1983م، ثم كتب دور النشر الأميركية الصادرة عام 1990م، والذين غيروا من خلالها المفاهيم الأصيلة للشريعة الإسلامية في العلاقة الزوجية بمفاهيم مختلفة تماماً، فكانت نتائجها كارثية على العالم الإسلامي كله.

ولا شك أنك عزيزي القارئ اليوم ما أن تتصفح السوشال ميديا حتى يهبط عليك سيل من المحتوى لمدربي ومستشاري العلاقات الزوجية من العرب العاربة والعرب المستعربة، والذين تتلمذوا ونهلوا من مشكاة واحدة ورضعوا جميعاً من البقرة نفسها، حتى تشابه القول علينا، ودخل الحابل في النابل واختلط الأبيض بالأسود، وكدنا أن نتحول إلى عرب بائدة.

فالقوامة والرعاية والقيادة في العلاقات الزوجية تحولت إلى المساواة المطلقة في الأدوار دون اعتبار للفروق التكاملية، والمودة والرحمة تحولت إلى الرومانسية الموقتة والبحث عن الشغف في العلاقة كأساس للحياة الزوجية... وأصبح هناك خمسة أسرار للعلاقة الناجحة، وسبعة طرق لدوام الزواج المستدام التنموي!

فخذ على سبيل المثال، فإن السكينة والسكن النفسي والطمأنينة التي توفرها العلاقة الزوجية كهدف روحي، تم استبدالها بالسعي نحو «الإثارة» و«الرفاهية الفردية».

أما الطاعة في المعروف، وهي طاعة الزوجة للزوج في إطار الشرع، مع وجوب رعايته لها، فقد تحولت إلى تشجيع الاستقلالية الفردية المطلقة، حتى لو تعارضت مع تماسك الأسرة.

أما فيما يتعلق بالولاية في الزواج، واشتراط وجود ولي للمرأة في عقد الزواج لحمايتها، فقد تحولت إلى اعتبار الزواج «شراكة شخصية» أو على حد تعبير أحدهم «مؤسسة الزواج» دون تدخل الأسر أو الضوابط المجتمعية.

المهر (الصداق) والذي هو حق مالي للمرأة يُرمز به إلى الجدية والاحترام والقدرة، فقد تحول إلى التركيز على المساواة المادية أو إلغاء المهر باعتباره «تقاليد بالية» أو إهانة للمرأة.

أما الحجاب والستر والالتزام بالحياء والذي هو شعبة من شعب الإيمان بالله في العلاقة بين الزوجين وغيرهما... تحول إلى تشجيع على الحرية الجسدية المطلقة، مثل مشاركة الحياة الخاصة على وسائل التواصل، مع أهمية النفخ والشفط والنحت لحياة زوجية مليئة بالدفء.

أما الغيرة الشرعية على حرمات الله وحقوق بعضهما، فقد وصمت بـ«السيطرة» واستبدالها بالثقة المطلقة حتى في التفاصيل الخاصة، والعقد الشرعي والذي سماه الله في القرآن «ميثاقاً غليظاً» تُراعى فيه شروط الله قبل البشر، فقد تم اعتباره اتفاقاً مدنياً قابلاً للتعديل أو الإنهاء دون ضوابط أخلاقية!

فدخل الحابل في النابل! ودخلت المفاهيم الغربية العلمانية في الإسلامية الشرعية، ودخل التكامل والمسؤولية المشتركة في الفردية والحريات الشخصية، ودخلت شعب الإيمان في النسوية الجندرية... حتى صارت الأمور «خلطبيطة»!

عزيزي القارئ! لو قرأت كتاب «صحيح البخاري» لمحمد بن إسماعيل البخاري، رحمه الله، ستلاحظ أنه قسم كتابه لأبواب مثل باب: كيف بدأ الوحي، وباب: المعاصي من أمر الجاهلية، وباب: كفران العشير، وكفر دون كفر، أو حتى باب: علامة المنافق، وستلاحظ أيضاً أنه -رحمه الله- كان يضع تحت كل باب الأحاديث النبوية التي استنتج منها الباب... ولو كان الإمام البخاري بيننا اليوم ليشاهد ويسمع مدربي ومستشاري العلاقات الزوجية وما حل بنا في العالم الإسلامي لكان وضع لنا ما يسمى بباب: سمك لبن تمر هندي!... وكل ما لم يُذكر فيه اسم الله... أبتر.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد