: آخر تحديث

الفلاسفة العلمانيون والنظرية العقلانية

3
3
3

عبدالله الزازان

لعب الفلاسفة الغربيون دورًا حاسمًا في تشكيل مفهوم العلمانية فكرًا وفلسفة، وذلك بالدعوة إلى اللادينية في الحكم، وفصل الدين عن الدولة، وتهميش الحضور الديني، والمناداة بعلمانية تقوم على العقل. ورغم أن العلمانية نشأت في سياق تاريخي، يجعل للكنيسة الكاثوليكية نفوذًا على الحياة العامة، إلا أن العلمانية تصدت لهذا النفوذ، فالعلمانية من حيث التطبيق أنتجت علمانية متطرفة تلغي الدين من الحياة العامة، وعلمانية مرنة تسمح بوجود الدين في الحياة، هذا على مستوى دول الغرب الصناعي إلا أن العلمانية لم تتوقف عند هذا الحد، بل سعت إلى تهميش الحضور الديني في المجتمعات ذات التقاليد الدينية القوية، وشتت الهوية الدينية - الثقافية، رغم أن العلمانية فكرة مستوردة من ثقافة آخرى. فعندما نقرأ العلمانية في إطار تحولاتها الفكرية والفلسفية والزمنبة، نجد تاريخًا طويلاً أسهم في تكوينه فلاسفة غربيون، كالفيلسوف الإيطالي دانتي، والفيلسوف الإنجليزي جون لوك، والفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو، والفيلسوف الهولندي سبينوزا، ومونتسكيو، وفولتير، وديفد هيوم، وإيمانيول كانط، وكارل ماركس، ونيتشه، فقد كان من كبار دعاة العلمانية في بريطانيا، جون لوك، والذي دعا إلى فصل السلطة المدنية عن سلطة الكنيسة، وعدم تدخل الكنيسة في السياسة، قائلًا: «إن وظيفة الحكومة تأمين سلامة المجتمع، وليس فرض الأفكار والعقائد». وقد رأت الكنيسة في تلك الأفكار خطرًا يهددها، فاسخدمت العنف للتصدي لتلك الأفكار، فنكلت بالعالم الإيطالي غاليليو، والفلاسفة الفرنسيين، فولتير وديدرو، مما دفع بعضهم إلى الكتابة بأسماء مستعارة. وفي القرن الثامن عشر مهد الفلاسفة الفرنسيون للثورة الفرنسية، وكان في طليعتهم فولتير، الذي كان ينادي بتحرير العقل من سلطة الكنيسة، ويؤثر عنه قوله: إنني لا أوافق إطلاقًا على ما تقوله، لكني أدافع حتى الموت عن حقك في قوله، وفي القرن التاسع عشر سادت النزعة العلمانية، وكان أوغست كونت من المؤيدين لتلك النزعة. وفي القرن العشرين، ظهر الخط اللاديني في كتابات سيغموند فرويد، وبعض فلاسفة الوجودية، مثل جان بول سارتر، وقد أخذ الصراع ما بين الكنيسة والفلاسفة الغربين، زمنًا طويلاً، والذي انتهى برضوخ الكنيسة، لمبدأ فصل الدين عن الدولة، واستقلال السلطة الدينية عن المدنية، حيث اعترفت الكنيسة في عام 1885م، باستقلالية المجتمع الديني عن المجتمع الزمني. وأقر المجلس النيابي الفرنسي في عام 1905م قانونًا ينظم علاقات الدين بالدولة على أساس استقلالية كل منهما عن الآخر، واحترام حرية الاعتقاد وحياد الدولة تجاه الأديان، ومع مرور الزمن تخلى بعض رجال الكنيسة عن مواقفهم السابقة، واعترفوا بمبدأ الفصل بين الدين والدولة، وإعلان المذهب الكاثوليكي الحديث على يد البابا، الاوون الثالث عشر، أعترافه بالتفريق بين المجتمع الكنيسي والمجتمع المدني، وأن لكل منهما سيادته واستقلاليته، ولا مجال بعد ذلك للمطالبة بإخضاع أحدهما للآخر، بل عليهما التعاون لخير البشر ماديًا وروحيًا. وفي عام 1924م أعلن البابا، بيوس الحادي عشر، في رسالته قبوله بفصل الدين عن الدولة الذي اعتمدته فرنسا، وبعد عشرين عامًا أصدر كرادلة وأساقفة فرنسا إعلانهم الشهير الذي دعوا فيه إلى التسليم بوجود علمانية الدولة المتفقة مع عقيدة الكنيسة، وقد نص الإعلان على استقلالية الدولة المطلقة في النظام الزمني والتنظيم السياسي والقضائي والإداري والضرائبي والعسكري، وكل ما يتعلق بالسياسة والاقتصاد، واعتبار أي سلطة دينية تهدف إلى السيطرة مخالفة لتعاليم الكنيسة. وفي إيطاليا مركز البابوية اعترف دستورها بالعلمانية عام1947م، واعتبر أن لكل من الدولة والكنيسة استقلاليتهما، وفي عام 1984م جرت مفاوضات بين الحكومة الإيطالية والبابا؛ لتعديل اتفاق قديم وقعه موسوليني مع البابا عام 1929م، ينص على أن تكون الكاثوليكية دين الدولة، ويفرض تعليم مادة الدين في المدارس، باتفاق آخر يلغي اعتبار المسيحية دين الدولة، وجعل تعليم الدين في المدارس اختياريًا. وفي إسبانيا وضع في الدستور الأسباني نصًا يعتبر الدين الكاثوليكي دين الدولة الرسمي، وفي السنوات الأخيرة مُني الحزب المسيحي الديمقراطي المدعوم من الأساقفة بخسارة كبيرة في الانتخابات البرلمانية لعام 1976م، مما فرض التوجه في إسبانيا إلى تبني العلمانية، وتقليص دور الكنيسة.


عدد التعليقات 0
جميع التعليقات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي إيلاف
لم يتم العثور على نتائج


شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

في جريدة الجرائد