خالد بن حمد المالك
ما كاد الشعب السوري يعلن عن فرحه وسعادته بتخلّصه من نظام بشار الأسد، بعد سنوات من القهر والحرمان وارتكاب الجرائم ضد معارضيه، وتولي حكومة وطنية إدارة شؤون البلاد، واختيار الشرع قائداً للبلاد، حتى دبت المشاكل، وخُلقت أسباب غير مبررة لها، والاستقواء بإسرائيل لدى بعض الدروز في اختراق للوحدة السورية بعد نهاية حكم الطاغية بشار الأسد.
* *
ففي ثارات بين العشائر الدروز بحسب رواية الحكومة السورية، تم اختطاف أحد الدروز، وقُوبل من الطرف الآخر باختطاف درزي آخر، ومن ثم تم الإفراج عنهما، لكن الاحتقان والثارات القديمة ظلت حيَّة في النفوس، فاشتعل القتال، وتأجج الموقف، ووصل إلى مستويات تطلَّبت من الجيش التدخل لفض النزاع، غير أنه تم التعامل معه على أنه طرف في القتال وليس لفض النزاع حسب رواية الجيش، مما زاد في عدد القتلى والمصابين إلى أكثر من مائة شخص بعضهم من الجيش.
* *
إسرائيل كانت على الخط، فتدخل طيرانها، وضرب مواقع سورية حمايةً للدروز كما صرَّح بذلك وزير الدفاع الإسرائيلي، قبل أن يعلن وزير الدفاع السوري وقف إطلاق النار، والاكتفاء بالرد فقط على مصادر النيران، بعد الاتفاق مع أعيان المدينة.
* *
ولأن سوريا تمر الآن بمرحلة مفصلية، فإما أن تبقى دولة موحَّدة، أو أن تتمزَّق إلى دويلات، وإلى مساحات منهوبة لإسرائيل، والأولى بالدروز كما صرَّح وليد جنبلاط الدرزي اللبناني الأشهر أن يكون حصر السلاح بيد الجيش السوري، وأن يكون الدروز جزءاً من الدولة السورية ونظامها، وعدم التعاون مع الخارج.
* *
فما يجري في سوريا يعيق ترتيب الدولة، وبناء المؤسسات، وصياغة قانون يحمي كل مكونات الشعب السوري، ويعطي فرصة لإسرائيل لالتهام المزيد من الأراضي السورية بحجة الدفاع عن المكون الدروزي، فحل أي خلافات والسيطرة عليها لا يتمان بالقتال، وإنما باللجوء إلى الحوار والتفاهم، وتغليب المصلحة العامة على المصالح الأخرى.
* *
إن زعزعة الأمن والاستقرار في السويداء خط أحمر، والمحافظة على حياة الناس، والممتلكات هي مسؤولية الجيش حصراً، وليس للمجموعات المسلحة أن تقوم بذلك للمحافظة على مكاسبها، ما جعل السلاح العشوائي ينتشر بكثافة بين أيدي الناس، وبالتالي الانفلات الأمني كما يحدث الآن في السويداء.
* *
وبالتأكيد، فإن من مسؤولية الجيش أمام مثل هذه الأحداث أن يتدخل لتوفير ممرات آمنة، وإعادة الأمن والاستقرار، والتعامل مع الخارجين على القانون بما تمليه عليه المسؤولية، ومن يرفض دخول الجيش إلى السويداء، أو يطالب بخروجه، فهو كمن يطالب بإلغاء وحدة الأرض السورية، وتفتيت الدولة، ويرفض الحوار لإصلاح الوضع في البلاد.
* *
إن أي حركة انفصالية، أو تعاون مع إسرائيل، ورفض لتسليم السلاح للجيش أو التصدي لتدخل الدولة، فهذا يدخل ضمن مفهوم التمرّد والخروج عن الالتزام بسلطة الدولة، والقوانين المنظمة لها، ومحاولة لزرع الفتنة، وإحياء الانقسامات، في وقت أحوج ما تكون فيه سوريا الآن إلى وحدة الكلمة والصف باتجاه إعادة بناء الدولة بعد أن خرَّبها النظام السابق.
* *
فإلى الرئاسة الروحية للدروز، إلى المجموعات المسلحة، إلى رجال الكرامة، ورؤساء العشائر، وإلى الجيش السوري، إلى كل السوريين، حافظوا على دولتكم، ولا تخربوا ما بقي بعد بشار الأسد لم ينله التخريب، ولا تعطوا إسرائيل الفرصة لزرع الفتنة بينكم، وإنهاككم بالقتال غير المبرر.