صلاح الغول
في أعقاب الحرب الإسرائيلية - الإيرانية (13-24 يونيو الماضي)، تصاعدت الانتقادات الإيرانية للوكالة الدولية للطاقة الذرية ومديرها العام رافائيل غروسي. فقد اتهم المسؤولون الإيرانيون الوكالة بالفشل في حماية منشآتهم النووية، وبالتحيز في تقاريرها بشأن البرنامج النووي الإيراني، لا سيّما فيما يتعلق بمخزون اليورانيوم المخصب بنسبة 60%، وأن تصرفاتها ذات دوافع سياسية. ومن وجهة نظرهم، فإن تقرير الوكالة في 31 مايو والقرار اللاحق في 12 يونيو 2025، بشأن البرنامج النووي الإيراني، مهّدا الطريق أمام الهجمات الإسرائيلية على المنشآت النووية الإيرانية.ولذلك، أقرّ البرلمان الإيراني في 25 يونيو قانوناً يُلزم الحكومة بتعليق التعاون مع الوكالة. وبعيد تنفيذ هذا القانون، غادر مفتشو الوكالة إيران. بيد أن التعاون بين إيران والوكالة سيستمر، وما زالت بعثة إيران لدى الوكالة في فيينا نشطة وتعمل كجسر بين منظمة الطاقة الذرية الإيرانية والوكالة.وفي ضوء ذلك، وأنه لا توجد آفاق واضحة للمفاوضات النووية بين إيران والولايات المتحدة، فإن التهديد بتفعيل «آلية العودة التلقائية للعقوبات» من قبل الترويكا الأوروبية (فرنسا، وألمانيا، وبريطانيا) قد ازداد، بدعم من الولايات المتحدة وإسرائيل. وإذا تم تفعيل هذه الآلية فستُعاد جميع قرارات العقوبات الستة التي فرضها مجلس الأمن ضد إيران قبل عام 2015 (1696,1737,1747,1803,1835، و1929) دفعة واحدة، ما سيمثل صدمة كبيرة للاقتصاد الإيراني.وتُعرف هذه الآلية في نص الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015 باسم «آلية تسوية النزاعات»، وتتيح لأي طرف من الأطراف الموقعة أن يفعّل مساراً رسمياً لإعادة فرض العقوبات إذا ما انتهكت إيران التزاماتها، دون الحاجة إلى قرار جديد من مجلس الأمن الدولي، ومن دون أن يكون لأي من الأعضاء الدائمين بالمجلس حق النقض، لهذا تُعرف ب«آلية الزناد».وقد حاولت الولايات المتحدة في سبتمبر 2020 تفعيل آلية الزناد، لكنها فشلت، إذ رفض أغلب أعضاء مجلس الأمن هذا الطلب، بحجة أن واشنطن لم تعد طرفاً في الاتفاق بعد انسحابها منه عام 2018.ولكن بعد خمس سنوات، تدهورت العلاقات بين طهران ودول الترويكا الأوروبية إلى أدنى مستوياتها منذ الثورة الإسلامية عام 1979. ففي 29 إبريل الماضي قال وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو إن بلاده «لن تتردد للحظة» في إعادة فرض العقوبات إذا ما تعرض الأمن الأوروبي للخطر.ومع الهجمات الإسرائيلية والأمريكية على المنشآت النووية الإيرانية، وتعليق التعاون مع الوكالة، ازداد التهديد الأوروبي بتفعيل آلية الزناد بدعم أمريكي وإسرائيلي. وجدد وزير الخارجية الفرنسي، في 15 يوليو الماضي، تحذيره من أنه بدون «التزام حازم وملموس ويمكن التحقق منه» من إيران، ستُعاد العقوبات «بحلول نهاية أغسطس بحد أقصى». كما ذكرت مصادر دبلوماسية أن بريطانيا وفرنسا وألمانيا اتفقت على إعادة العقوبات بحلول نهاية أغسطس في حال عدم إحراز تقدم ملموس. وقد ناقش سفراء الدول الثلاثة هذا الملف في 15 يوليو المنصرم خلال اجتماع بمقر البعثة الألمانية في الأمم المتحدة. كما طُرح خلال اتصال بين وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ونظرائه الأوروبيين في 14 يوليو الماضي.ومن ناحية أخرى، أوضح مايكل والتز، مرشح ترامب لمنصب سفير الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، خلال جلسة استماع بمجلس الشيوخ في 15 يوليو الماضي، أن تفعيل آلية الزناد من أولوياته، وأنه «واثق تماماً» من تعاون ألمانيا وبريطانيا وفرنسا. كما دعت إسرائيل دول الترويكا إلى فرض عقوبات «العودة التلقائية» على إيران.وبالتالي، يبدو أن توافقاً يتشكل بين الترويكا الأوروبية، والولايات المتحدة، وإسرائيل لتفعيل الآلية في مجلس الأمن. ومن المهم التنبيه إلى أن تفعيل الآلية لا يحتاج إلى تصويت جديد أو إجماع دائم، لأنه منصوص عليه مسبقاً. وعليه، لا يمكن لإيران التعويل على فيتو حلفائها (روسيا والصين) لمنع التفعيل.من المقرر أن تنتهي صلاحية آلية الزناد في 18 أكتوبر 2025. وبعد هذا التاريخ، لن يكون بمقدور مجلس الأمن فرض العقوبات تلقائياً، بل سيحتاج إلى قرار جديد قد يُواجه بالفيتو. ولهذا تخطط الترويكا الأوروبية لطرح الآلية في أواخر أغسطس، لتُفعّل قبل 18 أكتوبر، وتُعاد بذلك قرارات العقوبات الستة ضد إيران قبل نهاية الاتفاق.وتعارض إيران بشدة آلية الزناد، وتعتبرها «غير قانونية» و«غير مشروعة». وفي هذا الإطار، صرّح وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي بأن تفعيل الآلية «يعادل هجوماً عسكرياً». ومن المحتمل أن يكون أحد ردود الفعل الإيرانية انسحاباً من معاهدة عدم الانتشار النووي (NPT)، وهو ما حذر منه مسؤولون إيرانيون، ومنهم السفير الإيراني لدى الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني، الذي هدّد في رسالة بتاريخ 11 يونيو الماضي بأن طهران ستنسحب من المعاهدة إذا ما أعيد فرض العقوبات. وقد يؤدي الانسحاب إلى تصعيد سياسة «الغموض النووي»، وربما الانسحاب من الوكالة الدولية للطاقة الذرية.وفي سيناريو أكثر تفاؤلاً، إذا استمر وقف إطلاق النار الهش بين إيران وإسرائيل، وتوصلت إيران والولايات المتحدة إلى اتفاق، ولم تُفعّل الترويكا آلية الزناد قبل انتهاء الاتفاق في أكتوبر 2025، فمن الممكن ألا تنسحب إيران من المعاهدة، وتعود للتعاون مع الوكالة كما كان الحال قبل الهجمات الإسرائيلية.