سمر المقرن
في عصر تتسارع فيه إيقاعات الحياة إلى حدٍّ يكاد يلتهم التأمّل، برزت «ثقافة الاستعجال» كواحدة من أبرز سمات المجتمع الحديث.
كل شيء يجب أن يتم بسرعة، أن يُنجز فوراً، وأن يتحقّق بلا انتظار. أصبحنا نحسب الزمن بالدقائق، ونقيس النجاح بسرعة الوصول، لا بجودة الطريق.
لقد تغيّرت علاقة الإنسان بالزمن، ولم تعد فكرة التريّث أو الصبر ذات قيمة تُذكر، فمنذ أن أصبحت خدمات التوصيل لا تستغرق سوى دقائق، والتطبيقات توفّر كل شيء بلمسة إصبع، أصبح الانتظار عيبًا، والصبر عبئًا. وحتى في العلاقات الإنسانية، بات البعض لا يحتملون انتظار نضج الآخر، أو منحه الوقت لفهم الذات والمحيط.. نريد علاقة «جاهزة»، وشعورًا «مكتملاً»، دون المرور بمراحل التكوين والتعارف والتأقلم.
الأمر لا يقتصر على التكنولوجيا والعلاقات فقط، بل تعداه إلى التربية والعمل والتعليم. فالآباء يريدون نتائج فورية في تربية أبنائهم، والمدراء يتوقّعون أداءً متميزًا منذ اليوم الأول، والمتعلمون يضيقون ذرعًا بأي رحلة طويلة لا تعطي نتائج فورية، وكأنّ قيمة التجربة ضاعت، وحُوِّل الإنسان إلى آلة إنتاج لا تعرف التوقّف.
لكن السؤال الجوهري هو: ماذا خسرنا حين خضعنا لهذه الثقافة؟
خسرنا لذّة الانتظار.. خسرنا المعنى العميق للنجاح، حين يأتي بعد جهد وتعب.. خسرنا الاستمتاع بالمراحل، وتذوّق البدايات، والاعتزاز بالمطبات التي تصنعنا.. في الاستعجال، تختفي الحكايات، وتبقى النهايات باهتة!.
إننا بحاجة ماسة لإعادة النظر في علاقتنا بالزمن؛ فالانتظار ليس ضعفًا، بل فنٌّ من فنون الحياة، والتأني ليس تراجعًا، بل دليل وعي. وربما آن الأوان أن نستعيد تلك اللحظات البسيطة التي كنّا ننتظر فيها رسالة، أو نعدّ الأيام قبل مناسبة، أو نحتفي ببدايات الأشياء لا نهاياتها فقط.
لأن بعض الجمال لا يُولد إلا من رحم الصبر، وبعض النضج لا يأتي إلا عبر طريق طويل، لا يُختصر!