تكرر في جلسات التحقيق والمحاكمة تالياً، استخدام تعبير أو وصف «شاهد ملك»، لوصف وضع بعض الشهود، وكنت أعتقد أنه يعني شاهداً رئيسياً، إلى أن تبيّن لي، أخيراً، أنه يعني أكثر من ذلك. فمصدر التعبير يعود إلى عام 1600، وإلى التقاليد القضائية البريطانية، التي تصدر أحكامها باسم الملك، و«شاهد ملك» أو Witness King يُستخدم في بعض السياقات القانونية للإشارة إلى الشخص، الذي يُدلي بشهادته لمصلحة التاج في الإجراءات الجنائية، خاصةً عندما يكون العاهل البريطاني ملكاً.
يلعب الشاهد دوراً رئيسياً في مجال الإثبات القانوني، حتى في المسائل المدنية، التي غالباً ما تعتمد على الاتفاقيات المبرمة بين الأطراف والمثبتة كتابياً، فقد ترد وقائع قابلة للإثبات بشهادة الشهود، أما الإثبات في المسائل الجزائية فإنه يعتمد كثيراً على هذا النوع من الأدلة، الذي كثيراً ما يبنى عليه حكم الإدانة أو البراءة. الشاهد هو الشخص الذي يدعي أو يكون لديه، أو يعتقد أن لديه المعرفة ذات الصلة بحدث أو مسألة أخرى مثيرة للاهتمام. وقد يفعل ذلك طوعاً أو تحت الإكراه، ويقدم شهادة شفوية أو كتابية، وتلعب الصدفة دوراً في اختياره. وقد يتحول الشاهد لمتهم، في القضية التي حضر ليدلي بشهادته فيها، إذا ارتأى القاضي ذلك، ولمس بأنه يكذب ويتناقض في أقواله، وبهذا توجّه إليه تهمة شهادة الزور. أما «شاهد ملك»، فإنه يعني الكاشف عن جريمة اشترك، أو كان له دور ما فيها، تخطيطاً أو تنفيذاً، وتستعمل للدلالة على الشخص، الذي قد يعفى عنه عن جريمة اشترك فيها بالعلم أو بالفعل مقابل تقديم شهادته والاعتراف بالجريمة والإبلاغ عن باقي الجناة، علماً بأن أغلبية أنظمة العالم تعفي الشاهد من العقوبة على جريمة كشف عنها، وإن اشترك فيها، طالما كانت شهادته صحيحة ومفيدة في حسم القضية، حتى لو اقترف جزءاً من الجريمة، لكن استيقظ ضميره فاعترف بها وشهد على باقي المجرمين، بعد أن تم الاتفاق معه على الصفقة، خاصة عندما تكون الجريمة كبيرة جداً، كجرائم القتل والسطو واستباحة أرواح الناس وأعراضهم، أو الجرائم السياسية كتغيير الأنظمة بالقوة، ويعفى من العقاب غالباً إن لم يكن المتورط والمنفذ الرئيسي. وقد يكون الحلقة الأضعف، فيتم الاتفاق معه على ألا يُفشى سره، بهدف تحقيق تقدم في ملف القضية. كما أن بعض الدول لا تعفي المجرم من الجريمة، أو شاهد الملك، في حال الإبلاغ عنها، إلا في جرائم الرشوة وبعض الحالات النادرة، التي تنص عليها القوانين، ومن ثم لا يعد إبلاغ الإنسان عن نفسه بمنزلة إعفاء من التجريم أو الواقعة الإجرامية.
أحمد الصراف