إيلاف من الرباط: فجّر تصريح رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، بشأن المسيرة الاحتجاجية التي نظمتها ساكنة قرية أيت بوكماز، التي تتبع إداريا لإقليم أزيلال (ما بين الأطلس المتوسط والأطلس الكبير)، موجة ردود فعل سياسية غاضبة، بعدما اتهم رئيس جماعة تبانت، الذي شارك في المسيرة الاحتجاجية، بـ"الاستغلال السياسي"، متجنباً في الوقت ذاته تقديم أي التزامات حكومية واضحة حول الاستجابة لمطالب الساكنة في هذه المنطقة الجبلية المهمشة.
وفي رد مباشر على هذه التصريحات، التي أدلى بها رئيس الحكومة الثلاثاء بمجلس المستشارين (الغرفة الثانية في البرلمان) خرج إدريس الأزمي الإدريسي، النائب الأول للأمين العام لحزب العدالة والتنمية، الأربعاء، بتصريح ناري اعتبر فيه أن تصريحات رئيس الحكومة تكشف عن "جبن سياسي" و"انعدام الحس المؤسساتي"، وأنها تمثل إهانة لمؤسسات دستورية منتخبة، وعلى رأسها الجماعات الترابية، مؤكداً أن ما وقع في أيت بوكماز "نموذج ديمقراطي يحتذى به، وليس استغلالاً سياسياً كما يدّعي رئيس الحكومة".
وقال الأزمي، في رد بثته القناة الرسمية لحزبه على منصة "يوتوب"، إن رئيس جماعة تبانت، الذي شارك الساكنة في المسيرة، لم يقم سوى بدوره الدستوري في تأطير وتحفيز الساكنة على الاحتجاج السلمي من أجل مطالب اجتماعية مشروعة، مؤكداً أن "هذا الشاب المنتخب ديمقراطياً لولاية ثانية يستحق أن يعتز به الوطن، لا أن يُهدَّد من أعلى سلطة تنفيذية في البلاد".
وأضاف الأزمي أن تأخر رئيس الحكومة لستة أيام عن التفاعل مع احتجاجات الساكنة، قبل أن يظهر بخطاب هجومي، يعكس حالة من التهرب من المسؤولية والتنصل من الالتزامات التنموية، معتبراً قوله إنه قضى "ليلتين في أيت بوكماز" لا يشفع له شيئاً، متسائلاً "ما الذي أنجزتموه خلال هاتين الليلتين؟ وأين أنتم من صندوق تقليص الفوارق المجالية الذي تجاوزت ميزانيته 50 مليار درهم/5 مليار دولار)؟"
وأكد المتحدث ذاته أن رئيس الحكومة "استغل منصة البرلمان لإطلاق تهديدات" بدل أن يتفاعل بجدية مع مطالب الساكنة التي تتعلق بفك العزلة وتأهيل الخدمات الصحية والتعليمية والبنية التحتية، معتبراً أن تحميل المسؤولية للمنتخبين المحليين دون تقديم رؤية حكومية واضحة هو "نوع من الغباء السياسي"، حسب تعبيره.
ورأى الأزمي أن "الاحتجاج الذي جرى في أيت بوكماز تم بطريقة سلمية ومنظمة، ورفع شعارات وطنية، وكان على الحكومة أن تعتبره نموذجاً يُحتذى به في التأطير والوساطة السياسية، لا مناسبة لتوزيع الاتهامات والتهديدات".
وكان رئيس الحكومة قد صرّح، في الجلسة الشهرية لمساءلته بمجلس المستشارين أمس، أن "ما وقع في آيت بوكماز هو استغلال سياسي من طرف رئيس الجماعة"، مضيفاً أن "على المواطنين أن يختاروا من يجلب التنمية"، في تلميح اعتبره مراقبون محاولة لتحميل المجالس المحلية كامل المسؤولية في غياب الدعم المركزي، كما لم يُقدِّم رئيس الحكومة أي التزام صريح بالاستجابة الفورية لمطالب الساكنة، مكتفياً بالقول إن "كل شيء سيأتي في حينه".
وقد أثار هذا الموقف غضباً واسعاً في أوساط المعارضة، التي اعتبرت أن كلام رئيس الحكومة يعكس توجهاً لتهريب النقاش الحقيقي حول العدالة المجالية والتنمية الجبلية إلى منطق المزايدة السياسية، بدل الالتزام الفعلي برفع التهميش.
وتعد أيت بوكماز من بين المناطق التي تعاني من هشاشة البنيات التحتية وندرة المرافق الصحية والتعليمية، رغم إدراجها منذ سنوات ضمن أهداف برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية. وقد أعادت المسيرة الأخيرة للساكنة تسليط الضوء على التفاوت التنموي الذي يطال عدداً من الجماعات القروية بالمغرب، خصوصاً في مناطق الأطلس التي تعرف كثافة سكانية منخفضة، لكنها بحاجة إلى تدخلات نوعية وشاملة.