مع اقتراب الصيف، يعود إلينا ذاك الكائن اللزج المسمى "الفراغ"، متكئًا على كنبة الجلد الصناعي في صالون عقولنا، يعبث بأزرار الالتزام، ويقترح علينا – بكل وقاحة – أن نكون منتجين!
ولأنني أؤمن أن النصيحة هدية ملغومة، قررت أن أضع نفسي موضع الأب الحكيم... أو على الأقل عمّ خَرِف يوزع المواعظ في حفلات الشواء العائلية. ولمن يوشكون على قضاء عطلة مفيدة – أو هذا ما يتوهمونه – أقدم هذا الدليل المتواضع للتعامل مع الزمن غير المرغوب فيه.
إذا كنت ممن يمارسون طقوس التمدد على الشاطئ كما تفعل الفقمة، أنصحك بكتاب "أرخبيل غولاغ" لألكسندر سولجينتسين، فهو مناسب جداً لأشعة الشمس الحارقة، إذ يذكّرك أن الحياة، مهما بلغت حرارتها، فهي أرحم من المعتقل السوفييتي.
أو لعلك تفضل شيئًا أخف؟ جرب رواية "ظل الريح" لكارلوس زافون، فهي تحكي عن مكتبة سرية وكتب تغيّر مصير البشر، تمامًا كما سوف تغيّرك الأشعة فوق البنفسجية إلى كائن برونزي.
أما للمتسكعين في الحدائق، فأنت لست تائهاً، فقط تمشي بجسدك بينما عقلك يبحث عن واي فاي روحي. هنا، أوصي برواية "الحديقة السرية" لفرانسيس هودجسون بورنيت، فهي ستصالحك مع فكرة البستنة النفسية، وربما تدفعك إلى أن تزرع شيئًا غير القلق في قلبك.
وإذا كنت تميل إلى التأمل الكئيب، فلتصحبك رواية "اللاطمأنينة" لفرناندو بيسوا، سترافقك الكلمات كصوت داخلي، يُفسد كل لحظة سعادة… وهذا جميل بطريقته الخاصة.
في القطار، في الزحام، على قدم ونصف، تبقى القراءة واقفاً شكل من أشكال الرياضة الروحية. أوصي هنا بكتاب "الإنسان يبحث عن معنى" لفيكتور فرانكل، لأنه لا معنى لمشاهدة نملة تصعد بنطالك عشر مرات أثناء الرحلة، دون أن تبحث في ذاتك عن جدوى هذا العبث.
أو خذ معك رواية "ساعي بريد نيرودا" لأنطونيو سكارميتا، خفيفة كريشة، لكنها تحمل في طياتها سحر الشعر والشمس والأمل المبلل بالملح.
أما للشباب بعد البكالوريا: لا تفرحوا كثيراً، هذا فخ! عزيزي الناجح، تظن أنك حر الآن؟ قبل أن تقع في مصيدة الجامعة، أنصحك بقراءة "العاقل" ليوفال نوح هراري، ليشرح لك كيف بدأ كل شيء عندما قرر جدك النياندرتالي أن يشعل نارًا ويقترح الزواج.
ثم خذ قسطًا من الواقعية مع رواية "1984" لجورج أورويل، لتعرف أن المراقبة ليست فقط كاميرات الشوارع، بل أيضاً أحلامك وأفكارك. بعدها يمكنك قراءة كتاب "فن اللامبالاة" لمارك مانسون، لتستسلم وتضحك من الألم… أو عليه.
أما إذا كنت تسافر بالسيارة، فأنصحك هنا برواية "رحلات غوليفر" لجوناثان سويفت، لأنك وأنت عالق في الزحام على الطريق الساحلي ستفهم تمامًا شعور الإنسان حين يُعامل كقزم في عالم العمالقة الأغبياء.
وأوصيك بمرافقة "عربة الكارما" لجاك كرواك، كي تعيش الهذيان الحر، ولا تنس الاستماع لمقطوعة "Nocturne Op. 9" لشوبان، سوف تُكسبك بعدًا وجوديًا أثناء تجاوزك مطباً صناعياً.
ولمن لم يسافروا: إذا كنت ممن حُبسوا في بيوتهم لأسباب مالية، نفسية، أو بسبب مؤامرة كونية لإبقائك في حيّك، فلا تيأس. رواية "اسم الوردة" لأومبرتو إيكو ستجعلك تزور الأديرة، وتحل الجرائم، وتشم رائحة الورق العتيق من دون مغادرة الصالة.
ثم هناك "دون كيخوته" لسرفانتس، لأنه لا ضرر من أن تصاب بجنون نقي، وأنت تقرأ عن فارس يحارب طواحين الهواء بينما أنت تحارب فاتورة الكهرباء.
تنبيهات مهمة:
لا تقرأ كتب الفلاسفة الإغريق من الطبعة الفلورنسية! فحمل 160 مجلداً أشبه بمحاولة عبور الصحراء محملاً بغسالة ملابس.
ولا تعتمد على النسخ الإلكترونية فقط، فهناك لذّة فاسدة في تقليب صفحات صفراء عليها آثار شاي.
ولا تثق في من يقول لك "اقرأ لتنجح"… اقرأ لتفشل بذكاء، وتنهض بشكل أنيق.
والأعمال التي أوصي بها بشدة:
"يوتوبيا" لأحمد خالد توفيق، للذين يحبون المستقبل الساخر على طبق دموي.
"الغريب" لألبير كامو، إن كنت تشك أصلاً في أن الشعور الإنساني حقيقي.
"تاريخ الجنون" لميشيل فوكو، لمحبي التشكيك في مفهوم العقل ذاته.
"قلب الظلام" لجوزيف كونراد، لمن يريد أن يغوص في شر الإنسان بدون قناع.
"مزرعة الحيوان" لجورج أورويل، كي لا تنسى أن بعض القراء أذكى من الآخرين… ولكن كل القراء متساوون.
في العطلة، ليس السفر هو المهم، بل كيف تسافر بعينيك داخل صفحات كتاب. تذكّر: هناك كتب تشبه موانئ، وكتب كالمطارات، وكتب مثل المطاعم الصينية – غريبة، شهية، وقد تُسبب تسممًا فكريًا ممتعًا.
أما إن قررت أن لا تقرأ شيئًا، فخذ راحة من هذا العالم أيضًا، وجرّب أن تكتب كتابك أنت، ولو على منديل قهوة.